بعد صمت طويل واحتجاجات متقطعة انتفضت الضفة الغربية نصرة لغزة، فقد طفح الكيل ولم يعد بمقدورها الصمت على ما تواجهه غزة من ظلم وفقر وعزلة، وخرجت المظاهرات رافضة فرض العقوبات على قطاع غزة وقيام السلطة الفلسطينية بتضييق الحصار عليه ومعاقبته على تمسكه بالثوابت الوطنية، وتحرض الأعداء على تشديد الحصار عليهم؟! لقد أتت المظاهرات تلبية لدعوات قوى وطنية ومنظمات مجتمع مدنى، إضافة لما يعرف بتجمع حراك رفع العقوبات عن غزة الذى يضم أكاديميين وصحفيين وكتاباً وفنانين وأسرى محررين، في مبادرة لإنقاذ غزة ودعمها وليس إلى تجويع وإذلال أهلها، فتضحيات أبنائها تتجلى لنا كل يوم كالشمس الساطعة المفعمة بالحرية والكرامة، من أجل فلسطين ومن أجل الكرامة العربية الضائعة.
من حيث المبدأ فإن ما وصل إليه النظام السياسي بشكل عام يحتاج لحراك شعبي كبير في الضفة وغزة لأن ترك الأمر للأحزاب وللسلطتين في الضفة وغزة طوال أحد عشر عاما أوصلنا إلى ما نحن عليه ، وليس كل من يتظاهر في الضفة أو غزة مدفوعا بنوايا خبيثة أو يخدم مخططات أجنبية .
درجة الوحشية التي وصلها بل انحدر اليها بالأحرى عناصر في أجهزة أمنية فلسطينية الخميس الفائت بحق متظاهرين في قلب رام الله، لهم كامل الحق (والواجب) بقول كلمتهم ورفع صوتهم لأجل أشقائهم أبناء وبنات شعبهم في غزة، حتى لو لم يرق بعض مواقفهم للسلطة الحاكمة؛ قد خلقت شبه إجماع على الغضب وعلى الاشمئزاز وعلى المطالبة بوضع حد نهائي لهذه الوحشية المغطاة بشارة "الأمن". ولا توجد للأسف كلمات دبلوماسية كثيرة في الصحافة ولا السياسية لوصف اعتداءات عنيفة بلطجية لعناصر أمن فلسطينيين بعضهم بلباس مدني وبدون شارات تعرّف بهوياتهم، على أشقائهم من مدنيين فلسطينيين وهم يمارسون حقًا أساسيا، بسلمية وباحترام للحيز العام والجمهور العام.
إن هذه المشاهد التي تناقلها الاعلام العام ومواقع التواصل الاجتماعي بكثافة، ولم تقتصر على مشهد وحيد وقع من باب "الخطأ"، بل أشارت الى نهج، قد دفعت الى التفكير، بتداعيات فورية ومباشرة، مشاهد اعتداءات عناصر الاحتلال الاسرائيلي الوحشية على الفلسطينيين؛ لتضع هذا الاعتداء في خندق الاحتلال بشكل تلقائي.. وقد يفوق الأمر التلقائية للأسف حين نضع في الحسبان وعلى الطاولة السؤال السياسي الأساس: من تخدم هذه الممارسات الوحشية التي لا تعبر سوى عن الاستقواء والغطرسة ودوس كل حدّ وقيد ونظام يفترض أن يحظر انتهاك الحقوق المعرّفة كحقوق أساس للناس، كل الناس، وخاصة أبناء الشعب الفلسطيني الرازحين مثل من يبطش بهم تحت الاحتلال؟!
إن السلوك الذي يؤدي في الوعي العام وفي الرأي العام الى خلط اعتداءات الاحتلال بمثل هذه الاعتداءات الفلسطينية الرسمية على مدنيين فلسطينيين وهم يتظاهرون بشكل سلمي – ولا توجد طريقة لغسل ايدي السلطة الرسمية الفلسطينية منها! – هو بالمحصلة عبارة عن نقاط ثمينة يفوز بها الاحتلال الذي لا يعود "منفردا" في البطش!
وإذا كان هذا الاعتداء على المتظاهرين في رام الله استثنائيا قياسا بمجريات الأمور اليومية، فإنه للأسف ليس وحيدا ولا منفردا ولا يتيما.. فقد سبقته اعتداءات مماثلة أو مشابهة في الماضي، وكانت السلطة الوطنية الفلسطينية قد وعدت بمعالجتها والتحقيق فيها لمنع تكرارها.. ولكن ها هي تتكرر بانفلات بشع. ومن هنا، نحن ندعو الى أن تتحمل السلطة الفلسطينية مسؤولياتها، والى التحقيق الجدي والجريء فيما اقتُرف، ومحاكمة ومعاقبة كل من تورط، على مستوى العناصر والضباط والأجهزة! إن هذا الشعب الفلسطيني الصامد والمقاوم ناضل ويواصل نضاله العادل من اجل الاستقلال، ليس من اجل ان يتعرض لإهانات وإذلال واعتقال على شاكلة ما يفعله أعداؤه به!
واذا لم يحدث هذا يصبح كلام د.ابراهيم ابراش صحيح وخطير ،حيث يقول" قمع مظاهرات رام الله الأخيرة والقبضة المشددة للأجهزة الأمنية في الضفة وكذا قمع مظاهرات سابقة في غزة وبعنف أشد من طرف الأجهزة الأمنية لحركة حماس يفضح زيف الحكم الديمقراطي عند الطرفين ويؤكد أننا نعيش في غزة والضفة في ظل (حكم العسكر) ، وللأسف وللمفارقة أنه (حكم عسكري وطني) خاضع لحكم عسكري أكبر وأخطر وهو حكم عسكر الاحتلال" .
مدير الموقع

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف