صحيح أنه حتى هذه اللحظة، فإن الاحتمال الأكبر لوقف التدهور نحو جولة أخرى، وعديم الجدوى في غزة، هو الحصول على هاتف حاج كريم جروشي، والطلب منه بأن يفعل شيئًا ما. شاهدت أمس جروشي لدى آييلا حسون يتحدث بمنطق ويشرح كيف شرح لخاطفي الطفل من قلنسوة وكيف أنهم يرتكبون خطأ ومن الأفضل لهم النزول عن الشجرة، إلى أن فهموا. ارئيل شارون كان يروي بأن أمه، فيرا شاينر، كانت تبعث به بين الحين والآخر كي يشرح كل الأمور المختلفة للعرب أو للجيران في كفار ملال «كي يفهموا». وكما تبدو الأمور، فإن حماس لم تفهم بعد.
في الأسبوعين الأخيرين، حين بدأ الاعتراف يتسلل إلى جهاز الأمن بأن إرهاب الطائرات الورقية لم يهدأ وأن الرسائل التي يطلقها الجيش الإسرائيلي نحو القطاع لا تفعل فعلها، أعد الجيش الإسرائيلي الهجوم الذي أُوقع على حماس في نهاية الأسبوع.
لم يكن هذا تدهورًا بصدفة لا يمكن التحكم بها، بل عملية عسكرية إسرائيلية مخططة. يخيل لي أن تلميحًا قبيلها طبع في العنوان الرئيس لـ «معاريف» يوم الثلاثاء الماضي مع التقرير بأن وزير الدفاع ليبرمان يطلب من الجيش الإسرائيلي تغيير السياسة والتوجه نحو هجوم واسع ضد حماس، حتى ثمن التصعيد وجولة عنف إضافية.
هذا بالضبط ما رأيناه أمس وأول أمس؛ فقد نشر الجيش الإسرائيلي مسبقًا بطاريتين من القبة الحديدية لإغلاق زاوية الساحة الجنوبية، ثم جمع وحشد الجهود الاستخبارية وحدد الأهداف. استحكام كتيبة بيت لاهيا لحماس دمر، والحدث الأكثر أهمية كان تدمير مبنى متعدد الطوابق في قلب القطاع.
كما يذكر، فعندما بدأ الجيش الإسرائيلي يدمر المباني العالية لقيادة حماس والحكم في القطاع في الأيام الأخيرة للجرف الصامد، فهمت حماس بأنه حان الوقت للإنهاء. إذن هذا ما حصل الآن، باستثناء أنه بدلاً من انتظار النهاية سبقوا النهاية إلى البداية. ويفترض بمبعوث الأمم المتحدة الخاص، نيكولاي ملدنوف، أن يجمع الثمار في أثناء الليل. إذا استيقظنا صباح غد لمواصلة التصعيد، سنفهم أن حماس لم تفهم الموضوع التكتيكي بعد. لا توجد بشائر في المجال الاستراتيجي، فحكومة إسرائيل غير مستعدة لإسقاط حكم حماس في غزة مثلما وعد رئيسها، وغير مستعدة للوصول إلى تسوية بعيدة المدى تهدئ الجنوب لعدة سنوات.
فما الذي تستعد له؟ للمزيد من الأمر ذاته، بمعنى العيش من جولة إلى جولة، كل ثلاث إلى أربع سنوات دفن بضع عشرات من الجنود الشبان على مذبح حماية الوضع الراهن الغبي هذا. أما الثمن فيدفعه سكان غلاف غزة، وحماس هي الحيوان المدلل لبنيامين نتنياهو وافيغدور ليبرمان. أما المشكلة فهي أن هذا الحيوان هو كلب روتفلر، عندما يعض يؤلم.
حتى لو أخذنا منهم الأنفاق واعترضنا صواريخهم وألغينا قذائف الهاون، فسيجدون وسيلة لإيلامنا. الفارق الأساس بينهم وبيننا هو أنهم ليس لديهم ما يخسرونه، وحين يعيشون في أسفل الدرك فإنهم سيبذلون كل جهد كي يرشون بعضهم من المجاري لنشعر بالرائحة. في الجيش الإسرائيلي ستجدون القيادة السياسية تلقي تعليمات مرتبة وسياسة واضحة بالنسبة لسؤال: ما العمل مع غزة؟ ولكن السياسة هي أننا لا نعمل مع غزة أي شيء، فهي ستعمل مع نفسها شيئًا ما وحدها. هذا هو الوضع الآن.
أما الاستخبارات الإسرائيلية فواثقة بموقفها في الأشهر الأخيرة في التقدير بأن حماس غير معنية بجولة أخرى من القتال في غزة، مثلما كان أيضًا عشية الجرف الصامد. لا حاجة لتقدير استخباري منمق كي نقول إن إسرائيل لا تريد جولة قتالية أخرى في غزة.
إذن كيف يحصل أن عريسًا رافضًا وعروسًا شموصًا يواصلان السير معًا نحو منصة الدم لهما؟ هكذا هو الحال هنا عندنا؛ المنطق سليم ولكن الجنون لا يمكن التحكم به. في السبت لم تتحطم القواعد: حماس لم تطلق بعيدًا جدًا ولا كثيرًا جدًا، وإسرائيل هاجمت عشرات الأهداف ولكنها اجتهدت كي لا توقع خسائر فادحة جدًا. يحاول كل من الطرفين ألا يعطي الطرف الآخر الذريعة للانفلات، ثم يبقيان على السلم للنزول عن الشجرة، أما ما تبقى فهو ببساطة النزول.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف