بتأخير سبعين سنة، سنّت الكنيست قانون القومية، الذي إذا ما فحصناه جيدا سنكتشف أنه أقرب إلى البرنامج السياسي لطائفة متطرفة أكثر من كونه قانون أساس في دولة سليمة. وبهذا، يؤسفني أن أبشر الذين عملوا على إعداد القانون بأنهم فوتوا قطار التاريخ، وها هي الأمور التي جرت بتأخير تتحول بوجه عام إلى مهزلة.
قبل سبعين سنة كان هذا القانون مناسبًا لروح العصر، عندما طرد دافيد بن غوريون أكثر من (750) ألف فلسطيني، ولكن لسبب ما، فقد تباطأ الرجل وتكاسل في أن يواصل المهمة بطرد ما مجموعة (160) ألف فلسطيني آخرين. يمكن القول إن ذلك كان فشلا ـ بقاء أجيال وخطأ تاريخي. ولكن الواقعة وقعت: لا توجد هنا دولة يهودية، إذا ما شمرنا عن سواعدنا وطردنا بالقوة حينئذ لن يكون الحديث عن (160) ألف شخص، بل عن مليوني شخص، كل هذا ولم نتحدث بعد عن الفلسطينيين في الضفة الغربية إذا ما شملتهم الدولة اليهودية.
بهذه المناسبة، سأكشف لكم عن أمر مثير: قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشخصية فلسطينية إنه عندما سمع بنيامين نتنياهو، الذي حاول أن يشرح مشاكله، قوله (يعيش في إسرائيل (20) في المئة من العرب) فقد أجابه ترامب على الفور بأنه وفق معطى كهذا فإن إسرائيل ليست دولة يهودية. إذا كان ترامب يفهم ذلك فإن كل طفل يفهم ذلك.
هذا القانون فوت القطار؛ لأن حياة مشتركة نشأت هنا ولا يمكن إيجاد دولة عصرية مع نوعين من المواطنين، سادة وخدم. فترة العبودية انهارت لأن الصناعة أجبرت على تشغيل عمال أحرار، وبالأحرى، ثمة حاجة اليوم إلى عمال ليسوا أحرارًا فحسب، بل إبداعيون.
لقانون القومية ألوان أخرى غير الأسود، فهو يعرض قراءة مناسبة لما يجري هنا منذ سبعين سنة.
إذا كان هذا القانون يقضي بأن إسرائيل هي دولة القومية اليهودية فقط، ولا توجد أي كلمة عن العرب، مواطني الدولة، عندها ثمة نية خفية لكنها واضحة بشكل مدهش، بأن العرب غير مرغوب فيهم هنا.
لذلك، وبقراءة استرجاعية مع الرؤية الجديدة فإن قانون القومية يصادق على الرواية الفلسطينية التي تقول إن النكبة نفذت بنية سيئة لا مثيل لها. ليتوقفوا عن رواية ذلك لنا: الفلسطينيون لم يستجيبوا لدعوات الطلب منهم بالبقاء، ومرة أخرى أنهم استمعوا لزعمائهم الذين طلبوا منهم المغادرة. شكرًا لقانون القومية الذي كشف النية السيئة التامة التي تقف من وراء الطرد.
والآن لا يمكن التلويح بشعار أن بن غوريون وافق على خطة التقسيم. بعد كل هذا فقد انكشفت الحقيقة بإعلان قانون الأساس أن «أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي ومكان تأسيس دولة إسرائيل». لا تقسيم، لا دولة فلسطينية، لا شيء. أرض إسرائيل لشعب إسرائيل.
الوجه الآخر: «إذا لم يكن مأساويا، كان مسليا جدا. مجسد لشخصية أم القانون بصيغته الأولى» عضوة الكنيست تسيبي لفني التي طلبت من الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل كدولة القومية اليهودية.
في حينه، شرحنا للعقلانيين أنه في قرار التقسيم اعترف كل العالم بدولة إسرائيل كتعبير عن تقرير المصير للشعب اليهودي. وقلنا لهم إنه لن يخرج أي شيء جيد من هذا العرين القومي، لأنه ساحة المتطرفين. والآن بعد القانون المخجل لدولة العرق، من المهم أيضا سماع رأي الكاهنة الأيديولوجية للقانون في نسخته الأولى، البروفيسورة روت غابيزون، التي هي الآن تلف نفسها بصمت إعلامي. ربما هذا لا يهم البروفيسورة المحترمة؛ فمكانها محفوظ مع السادة، وليس مع الخدم.
صحيح أن هذا القانون قد فوت قطار التاريخ، ولكن بسبب ذلك بالضبط هو خطير؛ لأن من يستخدمونه يعملون خارج سياق التاريخ، والتصادم مع الواقع سيكون مؤلمًا لنا جميعًا.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف