.. وأخيراً، وفي 28/7/2018، عقدت اللجنة التنفيذية أول اجتماع رسمي لها برئاسة رئيسها محمود عباس. علماً أنها أنتخبت في المجلس الوطني الفلسطيني في 30/4/2018. أي منذ حوالي 3 أشهر. في هذا الاجتماع تلقت اللجنة التنفيذية من اللجنة العليا، تقريراً حول آليات تطبيق قرارات المجلس الوطني، خاصة بما يتعلق بفك الإرتباط بإتفاق أوسلو، وبروتوكول باريس الإقتصادي، ووقف التنسيق الأمني مع الإحتلال، وفك الإرتباط بالإقتصاد الإسرائيلي، ونقل القضية الى الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية.
هذه القرارات، مع تعديل أخذ بعين الإعتبار التطورات، هي نفسها القرارات التي كان قد اتخذها المجلس المركزي الفلسطيني في 15/1/2018 وهي نفسها ، مع تعديلات أخرى، القرارات التي كان قد اتخذها المجلس المركزي الفلسطيني في 5/3/2015. وهي نفسها القرارات المعطلة والمؤجلة منذ ذلك التاريخ، أي منذ العام 2015، ولم تأخذ طريقها الى التنفيذ. فالإعتراف بإسرائيل مازال قائماً (رغم أنها غيرت قوانينها لتعلن نفسها دولة اليهود في العالم) والتنسيق الأمني مازال في أحسن حالاته. والتبعية للإقتصاد الإسرائيلي ما زالت تتعمق يوماً بعد يوم. أما نقل القضية الى الأمم المتحدة، فلم يتم إلا إعلامياً، وكذلك الأمر بشأن المحكمة الدولية، التي لم تتلق أية شكوى فلسطينية رسمية، ضد أي من مجرمي الحرب الإسرائيليين، لا الآن في حكومة نتنياهو، ولا في الحكومات السابقة، رغم كل الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته وسيادته الوطنية.
(2)
التقرير الذي أنجزته اللجنة العليا، وتضم قيس عبد الكريم (الجبهة الديمقراطية)، محمد اشتيه (فتح)، مصطفى البرغوثي (المبادرة) أحمد مجدلاني (النضال) وصالح رأفت (فدا)، تتضمن اقتراحات عملية، تعيد تكرار قرارات المجلس الوطني، بشيء من التفاصيل، مع شرح بعض الآليات، في المجال السياسي والقانوني والأمني والإقتصادي وغيره. وهي قرارات أعلن المجلس الوطني أنها نافذة، وأحالها الى اللجنة التنفيذية للعمل على تطبيقها. اللجنة التنفيذية بدورها أحالتها الى اللجنة المذكورة أعلاه، لتقديم اقتراحات بآليات تطبيقها.
اذن: القرارات جاهزة، والإقتراحات جاهزة، والآليات مدروسة. ولم يبق سوى التنفيذ.
الطريف، بل المأساوي، إن اللجنة التنفيذية، أحالت تقرير اللجنة العليا واقتراحاتها بشأن قرارات المجلس الوطني، الى المجلس المركزي القادم لدراستها وإعطاء رأيه فيها واتخاذ قراراته بشأنها!.
اذن نحن أمام الصورة ـــ المهزلة التالية:
• المجلس المركزي يجتمع في 15/1/2018. ويتخذ قرارات نافذة وملزمة بفك الإرتباط بأوسلو وبروتوكول باريس وقرارات أخرى في هذا السياق.
• اللجنة التنفيذية تشكل لجنة لدراسة القرارات وتقديم اقتراحات بآليات تنفيذ هذه القرارات.
• لجنة الدراسات تقدم تقريرها الى اللجنة التنفيذية لتعمل بموجبه وتنفذ قرارات المجلس المركزي.
• اللجنة التنفيذية، تدرس التقرير، وتقرر رفعه الى المجلس الوطني ليقرر بشأنه.
• المجلس الوطني يصادق على قرارات المجلس المركزي ويطورها بأن يدخل عليها تعديلات إضافية.
• اللجنة التنفيذية، تعيد قرارات المجلس الوطني الى لجنة لدراستها وتقديم الإقتراحات بشأنها.
• لجنة الدراسات تقدم تقريرها حول قرارات المجلس الوطني وترفعه الى اللجنة التنفيذية للتنفيذ.
• هنا، تتفق عبقرية اللجنة التنفيذية عن قرار غريب وعجيب، تحتل بموجبه قرارات المجلس الوطني، كما رسمت آليات تطبيقها لجنة عليا، الى المجلس المركزي، ليقول رأيه بشأنها! وهذه بدعة لا سابق لها أن تحال قرارات المجلس الوطني [المؤسسة الأعلى] الى المجلس المركزي [المؤسسة الأدنى] ليصادق عليها.
(3)
ما هو المتوقع بعد هذا؟
• المتوقع أنه في حال انعقد المجلس المركزي، فإنه «سيناقش» القرارات، وسيصادق عليها، وسيحيلها إلى اللجنة التنفيذية لينفذها.
• المتوقع، بعدها أن تطلب اللجنة التنفيذية إلى لجنة عليا دراسة (مرة أخرى) قرارات المجلس المركزي، ووضع آليات لتنفيذها.
وهكذا تدور القرارات في الدائرة المفرغة، من مجلس، إلى لجنة، ومن لجنة إلى لجنة، ومن لجنة إلى مجلس، وهكذا دواليك، لا لهدف سوى لإضاعة الوقت والتهرب من تطبيق القرارات، والتهرب من الصدام الميداني مع الإحتلال، ومع الولايات المتحدة، ومع «صفقة العصر»، إبقاء الصدام ـــــ إذا جاز التعبير ـــــ في حيزه الكلامي، بالتصريح، والبيان، ودون أية خطوة عملية واحدة.
ولا يغيب عن بال المراقبين أن سبب كل هذا الدوران في الحلقة المفرغة، وكل هذا التلاعب بالهيئات، والقرارات، وكل هذا التهرب من تحمل المسؤولية، إنما يخفي سياسة واضحة المعالم، تقوم على التالي:
• الإبقاء على المعارضة بالبيان وبالتصريح. بل يلاحظ في الآونة الأخيرة أنه حتى وتيرة البيانات هذه تراجعت، بما فيها تصريحات رئيس السلطة نفسه الذي توقف عن ذكر «صفقة العصر» في أحاديثه منشغلاً بقضايا أخرى، منها الانقسام مع حركة حماس، ومنها توتير العلاقات داخل اللجنة التنفيذية، وافتعال الصدامات مع القوى المعارضة، في لعبة مفضوحة، تهدف إلى إحكام السيطرة والهيمنة الكاملة على المؤسسة الوطنية، ورفض أية أراء ومواقف لا تلتقي مع مواقفه وآرائه وسياساته.
• تعطيل قرارات المجلس الوطني والمجلس المركزي. والحفاظ على الوضع القائم، بما في ذلك عدم سحب الاعتراف بإسرائيل، وعدم وقف التنسيق الأمني مع سلطات الإحتلال، وعدم فك الإرتباط بالإقتصاد الإسرائيلي، وعدم سحب اليد العاملة من المستوطنات، ومواصلة اعتماد الشيكل عملة لمناطق السلطة، وعدم رفع العقوبات عن القطاع.
• التمسك بإتفاق أوسلو، وبالمفاوضات مع إسرائيل، سبيلاً وحيداً للحل. جاء هذا في محطتين. الأولى في مجلس الأمن الدولي في 20/2/2018 حين جدد رئيس السلطة ولاءه لإتفاق أوسلو. وفي المجلس الوطني الفلسطيني حين اختتم كلمته الافتتاحية بتلاوة كاملة لما ألقاه أمام مجلس الأمن داعياً المجلس الوطني لاعتماده كخطة سياسية، رغم إدراكه ومعرفته أن هذه «المبادرة» أو «الرؤية»، كما توصف، هي في تصادم تام مع قرارات المجلس المركزي الذي انعقد في 5/3/2015 وانعقد في 15/1/2018، وفي تناقص وتصادم تام مع الخطوط السياسية العريضة لما سيصدر عن المجلي الوطني، كما تمً الإتفاق عليه عشية انعقاء المجلس في اجتماع دعا له رئيس المجلس الوطني سليم الزعنون، وحضره الصف الأول في الفصائل الفلسطينية.
وهذه السياسة هي رسائل إلى واشنطن، وتل أبيب، وبعض العواصم العربية أن القيادة الرسمية الفلسطينية لم تغير سياستها، رغم ولادة «صفقة العصر»، وأن القيادة الرسمية مازالت جاهزة للدخول في المفاوضات الثنائية مع إسرائيل، وأن القيادة الرسمية تواصل سياسة تعطيل المؤسسات الوطنية وتعطيل قراراتها، وأن من يعبر عن السياسية الرسمية الفلسطينية, ليس المجلس الوطني، ولا المجلس المركزي، بل المطبخ السياسي الذي يترأسه محمود عباس.
ولا شك في أن هذه الرسائل كلها تصل إلى أصحابها:
• إلى واشنطن عبر القناة المفتوحة بين ماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات وبين وكالة المخابرات الأميركية.
• إلى تل أبيب، عبر بعض العواصم العربية والأوروبية والعالمية.
فمتى تنتهي لعبة الدائرة المفرغة. ولعبة الباب الدوار.
وإلى متى ستستطيع القيادة الرسمية ممارسة سياسة اللعب على الحبال، وإلهاء الرأي العام بالقضايا الجانبية على حساب القضايا الكبرى، بينما الحالة الفلسطينية تزداد تدهوراً.
وهل تعتقد القيادة الرسمية أن الطريق الذي ما زالت تتبعه سيقود إلى بر الأمان، بعدما أثبتت تجربة ربع قرن من الزمان، أنه لم يورث الحالة الفلسطينية إلا الكوارث والنكبات؟

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف