​المادة 7 من قانون اساس: اسرائيل دولة القومية للشعب اليهودي، تنص على أن “الدولة ترى في تطوير الاستيطان اليهودي قيمة وطنية وستعمل من اجل تشجيع اقامته وترسيخه”. المادة تحدد من ناحية قانونية ما هو معروف منذ فترة، “اليمين الاسرائيلي حول الارض الى العنصر المهيمن للقومية اليهودية”.
كل حركة قومية ترغب في تجميع ثلاثة عناصر: مجموعة من الناس ذوي علاقة عرقية، ذاكرة تاريخية، لغة وثقافة مشتركة، يعيشون في منطقة جغرافية تاريخية. لتلك المجموعة سيادة سياسية على هذه الارض. في القومية اليهودية الصهيونية تحقق طوال النصف الاول من القرن العشرين عنصرين آخرين: بناء مجتمع مثالي، قائم على العدل الاجتماعي، ومسؤولية شخصية وامتناع عن استغلال الآخر؛ رفع اهمية الانسان تتمثل في تشكيل الانسان الذي يطور قدراته الفكرية والروحية ويظهر مسؤولية تجاه المجموعة.
في العقود منذ حرب الايام الستة حدث تغيير في العناصر الداخلية للقومية اليهودية. حتى الحرب سادت في اسرائيل الرؤية القائلة بأن الدولة ستكون مستعدة للاكتفاء بالانجازات الجغرافية لحرب الاستقلال. وكما كتب مؤخرا شلومو افينري في مجلة “ألفين واخرى”، في السنوات حتى 1967 لم تطالب أي جهة سياسية في اسرائيل بحرب مبادر اليها لتوسيع الحدود. ولو جاء اقتراح عربي لعقد سلام في حدود 1949 لكانت اجيب عنها بالايجاب. كل هذا تغير في اعقاب حرب الايام الستة. عنصر انجاز السيادة السياسية تحقق. عناصر بناء المجتمع المثالي ورفع قيمة الانسان تنوعت (ايضا بسبب سيطرة الليبراليين الجدد على التفكير الاقتصادي – الاجتماعي). في حين ان عنصر البقع الجغرافية اصبح سائدا: في العقود الخمسة منذ الحرب اصبح الحصول على ارض هو الهدف المركزي للقومية اليهودية.
ولكن كما ادعى س. يزهار في مقال كلاسيكي نشره في “هآرتس” في 8/12/1967 ردا على شعار “حركة من اجل ارض اسرائيل الكاملة”: “يكثرون الحديث الآن عن “المناطق”. وماذا سيفعل بها. في حين أن الجميع يعرفون أنه في الحقيقة لا توجد مناطق، بل هناك ناس”. “المناطق” كما هو معروف ليست فارغة بل مليئة ومأهولة بالكثير من الناس. ومن يقترح حلول للمناطق فمن الافضل له عدم تجاهل ذلك: “عليه التحدث عن هؤلاء الاشخاص وما يجب العمل بهم”. موقف الليبراليين بخصوص المناطق واضح. “المناطق” مليئة ومأهولة بالكثير من البشر. ونظام الاحتلال المفروض عليهم يعارض بصورة جذرية القيم الرئيسية لليبرالية. هو يخضعهم لحكم عسكري ويسلب منهم حقوق اساسية، شخصية وسياسية. الليبراليون يجب عليهم معارضة استمرار الاحتلال دون علاقة بمواقفهم السياسية والامنية. ولكن الليبراليين يعارضون الاحتلال لسبب آخر: أنه يقوض استمرار الليبرالية في اسرائيل. في السنوات الاخيرة هذه الديمقراطية واضحة. منظمات حقوق انسان، فنانون وسياسيون عرب يصرحون ويعملون ضد الاحتلال، والدولة والسياسيين من اليمين يردون بالمس بحقوق ليبرالية اساسية للمعارضين للاحتلال – بحرية عمل نشاطات حقوق الانسان، وبحرية التعبير السياسي وحرية التعبير الفني لهم. اسرائيل اصبحت دولة استبدادية، فيها المعارضة لسياسة الحكومة تعرض كمعارضة للدولة نفسها.
حسب رؤية احد قضاة المحكمة العليا فان قانون القومية هو فصل آخر في الدستور الاسرائيلي. بقصر نظر فظيع تقول المحكمة العليا في قرار بنك همزراحي في 1995 إن دستور اسرائيل (قوانين الاساس) يمكن أن تسنه الكنيست وليس كما هو مقبول في العالم تجمع تاسيسي، الذي يستطيع سنها باغلبية عادية، وليس كما هو مقبول في العالم بعملية مصادقة خاصة (اجل الدستور الاسرائيلي يمكن وضعه باغلبية 1: صفر)، هكذا يجد انفسهم الان ليبراليون اسرائيليون واقعون تحت دستور يعطي صلاحية قانونية للاحتلال.
مع ذلك من المهم ان نذكر أنه منذ اتفاق اوسلو أ في 1993 تضررت هيمنة عنصر الجغرافيا في القومية اليهودية. حكومات اسرائيل على مختلف انواعها اخذت تعهدات دولية معناها انسحاب من مناطق كبيرة في يهودا والسامرة وانشاء جنين لدولة فلسطينية. في اتفاق اوسلو في 1995 اعطيت منطقة أ وفيها المناطق الفلسطينية الكبيرة لتصبح تحت السيادة الامنية والمدنية الفلسطينية. والمنطقة ب التي فيها 70 في المئة من السكان الفلسطينيين اصبحت تحت ادارة مدنية للسلطة.
اتفاق واي ريفر الذي وقع من قبل رئيس الحكومة نتنياهو في 1998 قرر على “نبضات” انسحاب اسرائيل من يهودا والسامرة واسرائيل نفذت النبضة الاولى. خريطة الطريق للرئيس بوش الابن من العام 2002 حددت أنه سيتم تجميد كل بناء في المستوطنات وسيتم تفكيك المواقع الاستيطانية. حكومة شارون قبلت الخطة. في حزيران 2009 في خطاب بار ايلان اقترح نتنياهو (مثل يزهار في حينه) انه في “قلب الوطن اليهودي يعيش جمهور كبير من الفلسطينيين” واضاف انه في الاتفاق الدائم ستكون اسرائيل مستعدة للتوصل الى حل دولة فلسطينية منزوعة السلاح الى جانب الدولة اليهودية. واضاف نتنياهو أنه لا يوجد لدينا نية لبناء مستوطنات جديدة أو مصادرة اراضي لتوسيع المستوطنات القائمة.
ولكن يمكن التفكير ايضا بسيناريو معاكس فيه اسرائيل تواصل عقد اتفاقات مع السلطة الفلسطينية وتريد اخلاء المستوطنات. في هذه الحالة ستستخدم المادة 7 قاعدة مهمة للادعاء بأن اخلاء المستوطنات هو غير قانوني. حسب نظرية القانونية التي طورتها محكمة العدل العليا في العقود الاخيرة. هذا الادعاء سيعتبر قانوني والمحكمة ستضطر الى رفض اخلاء المستوطنات وهذا لن يكون الحادث الاول في التاريخ الذي تستخدم فيه نظريات قضائية تم وضعها من قبل احد الاطراف في السياسة لمواصلة طريق الطرف الاخر.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف