مثل كل اعلان نوايا لترامب وفريقه، أيضا فإن الاعلان عن الحاجة إلى تغيير تفويض وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الاونروا"، بدت في البداية وكأنها قرارا ارتجاليا، بدون دراسة معمقة للموضوع أو مثل بالون اختبار. عند اعادة النظر فإن الاعلان يتوافق جيدا مع خطوات اخرى للادارة الأميركية التي تضعف وتلغي اتفاقات دولية قائمة: الاتفاق مع إيران، العلاقات مع دول الناتو والاتفاقات التجارية.
مثل الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، أيضا في تعامل الولايات المتحدة مع الاونروا تظهر بصمات إسرائيل. في السنة الماضية، دعا رئيس الحكومة نتنياهو الامم المتحدة إلى فحص استمرار وجود الوكالة، ونائبة وزير الخارجية تسيبي حوطوبيلي دعت الولايات المتحدة للعمل على اغلاق الوكالة، من اجل الغاء مكانة اللاجئين الفلسطينيين. دعوات مشابهة تسمع بصورة مستمرة من عنات وولف التي كانت في السابق عضوة كنيست من حزب العمل، وحزب الاستقلال الذي انشق عنه.
وكالة الاونروا بدأت في العمل في 1 أيار 1950. تفويضها كان مؤقتا، واستهدفت توفير المساعدة عبر وسائل مختلفة للاجئين الفلسطينيين، إلى حين ايجاد "حل عادل" لمشكلتهم. ولأن حل كهذا لم يتم حتى الان العثور عليه فإن التفويض يمدد كل بضع سنين عن طريق تصويت في الامم المتحدة وفقا للظروف، وأحيانا يشمل التفويض مجموعات سكانية فلسطينية اخرى مثل مهجري 1967 أو سكان قطاع غزة، الذين هم ليسوا لاجئين ولكنهم تضرروا من الهجمات الإسرائيلية. صلاحية التفويض الحالي تستمر حتى حزيران 2020.
المشكلة في الاونروا من ناحية المطالبين بحلها في إسرائيل والولايات المتحدة ليست التمويل نفسه ومساعدة المحتاجين. المشكلة بالنسبة لهم هي أن استمرار وجود المنظمة على مدى عشرات السنين هو انجاز فلسطيني يعبر عن اجماع دولي يقضي بأن تصنيف اللاجئين الفلسطينيين يختلف عن تصنيف اللاجئين الآخرين. اللاجئون الآخرون كانت وما زالت لهم دول – مبدئيا هم يستطيعون أو يمكنهم العودة اليها، عند انتهاء الازمة التي اوجدت مشكلتهم (مثلا لاجئو رواندا أو سورية)، أو الانتقال اليها (في حالة الالمان الإثنيين الذين طردوا من دول شرق اوروبا، أو حالة اليونانيين الإثنيين الذين تم تهجيرهم من تركيا(.
اللاجئون الفلسطينيون فقدوا وطنهم، وهم لا يسمح لهم بالعودة إلى الدولة (إسرائيل) التي قامت على انقاضها، وليس لهم دولة. طالما أنه لا يوجد حل متفق عليه للنزاع الذي أدى إلى فقدان وطنهم، فإن مكانة اللجوء تورث للاحفاد دون صلة مع وضعهم الاقتصادي. الجمعية العمومية للامم المتحدة التي اتخذت القرار 194 بشأن حقوق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة، أو الحصول على تعويضات، حسب رغبتهم، هي التي تمدد كل بضع سنوات تفويض الاونروا.
عندما تعود الدول الاعضاء في الامم المتحدة وتمدد تفويض الوكالة، فإن التفسير السياسي الفلسطيني لذلك هو أنها تعلن المرة تلو الاخرى بأن هناك شيء ما لم ينته، ولم يتم الاتفاق أيضا على إسرائيل في حدود 1967، وهناك اشخاص ما زالوا ينتظرون تحقيق حقهم في العودة والعيش في تلك الحدود.
من ناحية عملية فإن دول العالم في الحقيقة لا تقف من وراء التصريح الذي يفهم من تمديد تفويض الامم المتحدة وقرار 194 الذي لم ينفذ. من ناحية عملية فإن هذه الدول لا تقف أيضا من وراء القرارات التي اتخذت في الامم المتحدة ضد المستوطنات، ولم تصمم على تنفيذها. ولكن في شبكة العلاقات الدولية فإن القرارات في الامم المتحدة كانت وما زالت ذخر فلسطيني سياسي.
هذا هو الذخر الفلسطيني الذي تحاول الولايات المتحدة في اعقاب دوائر يمين- وسط إسرائيلية تصفيته الآن. هي لن تنجح في تصفيته بدون هز مكانة الامم المتحدة أو أن تملي عليها قواعد سلوك وتصويت أبعد من حق الفيتو في مجلس الامن. تهديد ترامب بأن الدول التي ستصوت في الامم المتحدة ضد موقف الولايات المتحدة ستعاقب بتقليص المساعدة الأميركية لها، ما زال قائما. كلما مر الوقت يتبين أن قرارات ترامب الارتجالية لها خط تفكير وعمل منطقي ومتواصل. لذلك ليس من الصعب تخيل اللحظة التي ستقترح فيها الولايات المتحدة في الامم المتحدة عدم تمديد تفويض الاونروا، وستكون هناك دول ستخشى التصويت ضد رغبة الولايات المتحدة.
الوسيلة الاولى لادارة ترامب هي المس بتمويل الاونروا، الذي سبق وأن تم تطبيقه. هذه الخطوة تندمج مع التقليص المتوقع لدول الـ USAID للسلطة الفلسطينية. ومع الهجوم المالي الإسرائيلي المتمثل بخصم المخصصات لعائلات الاسرى من الضرائب التي تجبيها إسرائيل وعليها تحويلها للمالية الفلسطينية. في السنوات الاخيرة المساهمة الأميركية للاونروا كانت الاكثر ارتفاعا وفاقت الاتحاد الاوروبي.
مع ذلك، يجب عدم اتهام ادارة كلينتون وادارة اوباما بدعم الاونروا من اجل الترويج لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم. بالعكس، الاسهام الأميركي والاوروبي للاونروا، ومنظمات اخرى للمساعدات والسلطة الفلسطينية، كانت في الاساس ثمن للصمت، مقابل عدم استعدادها للضغط على إسرائيل من اجل أن تسمح بتطبيق قرارات الامم المتحدة بشأن اقامة الدولة الفلسطينية في قطاع غزة وفي الضفة الغربية.
التبرعات الدولية، والغربية على رأسها، زادت منذ اتفاقات اوسلو، رغم أنها انخفضت في العقد الاخير. لقد عوضت الفلسطينيين عن الخسائر التي تسببت بها سياسة إسرائيل لاقتصادهم (قيود الحركة على البضائع والاشخاص، السيطرة على المناطق ج والحصار على قطاع غزة). المساعدات دعمت الاحتلال الإسرائيلي بغطاء مفاوضات من اجل السلام. لقد منعت عملية الافقار الواسعة والانفجار الاجتماعي، وأنبتت طبقات بيروقراطية فلسطينية كانت تعتمد عليها، التي مصلحتها الآنية هي كبح الغليان الاجتماعي – السياسي.
ادارة ترامب تريد كسر هذا الاتفاق الذي وجد منذ العام 1993، وهي تنوي ابقاء التفوق الإسرائيلي على حاله. ولكن عدم مواصلة اخفائه أو تخفيفه بتعويض مالي للفلسطينيين. يبدو أنها تقدر بأنها بهذا تسهل عليه أن يفرض صفقة القرن، أي فرض اتفاق استسلام على الفلسطينيين.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف