في مقال نشره هنا امس، بمناسبة ربع قرن على اتفاق اوسلو كتب البروفيسور ايال زيسر ان الاتفاق وضع اسرائيل امام تحديات سياسية وامنية لا تنقطع. ثمة في ذلك غير قليل من الحقيقة. ولا سيما لانه كان هناك من منع تحول الاتفاق الانتقالي – الذي كان يفترض أن يخلي مكانه لتسوية دائمة حتى 4 ايار 1999 – لاتفاق سلام.
كنت أتوقع تشبيه هذه التحديات بالوضع الذي لا يكون فيه اي اتفاق بين اسرائيل والفلسطينيين، وكنتيجة لذلك ايضا لا اتفاق سلام مع الاردن. فالفرضية الكامنة في انعدام هذا التشابه هي ان الفلسطينيين كانوا مستعدين لـ 25 سنة اخرى من العنف، بمستوى كان يمكن لاسرائيل ان تحتويه، مثلما احتوت الانتفاضة الاولى. انا بعيد عن الايمان بذلك، وهذا، حتى دون أن اتناول الجانب الديمغرافي للنزاع.
ولكن كانت في المقال ملاحظة اكثر غرابة. فزيسر يتحدث عن مقربين بحميمة من بيرس شهدوا (اين؟ متى؟) بان اختيار اوسلو بالذات، تم “للدفع الى الامام بفرص بيرس لنيل جائزة نوبل للسلام والتي تمنح في العاصمة النرويجية”.
من المهم ان نروي القصة الحقيقية. لقد بدأت مسيرة اوسلو في 29 نيسان 1992، عندما طلب تاريه لارسون، رئيس معهد بحوث الاتحادات المهنية النرويجية (“فافو”) لقائي في تل أبيب. وروى عن خلفيته وعن أن النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني يثير اهتمامه. وقال انه اذا انتصر حزب العمل في اعقاب الانتخابات القادمة (بعد شهرين من ذلك) ويكون لي دور يتعلق بالمسيرة السياسية، فسيقترح ان يضع تحت تصرفي معهده كمكان لقناة سرية، اذا ما اردت ذلك.
شكرته على العرض المفاجيء وقلت انه في ضوء الجمود في المحادثات في واشنطن بين الوفد الاردني – الفلسطيني وبين الوفد الاسرائيلي، فاني مقتنع بانه ستكون حاجة الى قناة تكون خلف الكواليس، يكون ممكنا فيها حل المواضيع قيد الخلاف، او، على الاقل جزء منها. ومع ذلك لم أتعهد لاوسلو. حددنا موعدا آخر بعد اسبوعين من ذلك، شارك فيه صديقي د. يئير هيرشفيلد، فيما دعا لارسون اليه فيصل الحسيني.
بعد الانتخابات عينت نائبا لوزير الخارجية. فحصت امكانيتين اخريين لوجود القناة السرية. الاولى كانت واشنطن والثانية – لندن. وفقط بعد أن تبين لي بان كلتيهما اشكاليتان جدا، عدت الى الامكانية النرويجية، التي كانت في نظرة الى الوراء، مثالية من ناحيتنا. والحقيقة، التي لم تتبين ليس الا بعد شهرين من تسلمي مهام منصبي، ان رابين منع بيرس الاهتمام بالقنوات ثنائية الاطراف بين اسرائيل والاردن – فلسطين، وبين اسرائيل وسوريا – دفعتني الا اروي عن القناة النرويجية لبيرس، قبل أن اعرف اذا كانت كفيلة بان تولد اتفاقا؛ لان بيرس ما كان يمكنه أن يخفي عن رابين خطوة تتناقض وتعليماته ورابين ما كان سيسمح له بان يقود خطوة كهذه.
إذن لا. كانت اوسلو هي التي عرضت نفسها، وجائزة نوبل لم تكن في طرف فكري حين استجبت لذلك.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف