في البداية جردناهم من اماكن عملهم – قمنا باقالة عمال ومستأجرين للاراضي الزراعية وحراس وسلبنا منهم مصدر رزقهم. هذا كان في عشرينيات القرن الماضي. لقد سمينا هذا “احتلال العمل” و”عمل عبري” وقلنا إن هذه “قيمة طلائعية”. هل هذا كولونيالية؟ ما الامر؟ بعد ذلك جاء “انقاذ الاراضي” واندلعت “الاحداث”، وجاءت خطة التقسيم، واندلعت الحرب وتم طرد 750 ألف شخص منهم، أو أنهم هربوا لانقاذ حياتهم. الامم المتحدة قالت إنه يجب اعادتهم، اسرائيل لم تذعن في أي يوم وطردت “المتسللين” الذين “تسللوا الى بيوتهم”، عدد منهم فقط جاء في محاولة لانقاذ ما تبقى من ممتلكاتهم. اسرائيل لن تتحمل في يوم ما أي جزء من المسؤولية. الفلسطينيون هم المذنبون. هم فقط. فهم لم يوافقوا على التقسيم ولذلك يستحقون كل ما يحدث لهم، بما في ذلك الكارثة. اسألوا كل رجل دعاية اسرائيلي.
لقد تشتتوا في كل الاصقاع. العدديد من احفادهم يعيشون في ظروف غير انسانية لا يعرف أي اسرائيل مثلها. في لبنان وسوريا وقطاع غزة لم يكن امامهم أي سبيل لكسر دائرة العوز. في الضفة الغربية ايضا، الواقعة تحت سيطرة اسرائيل، ما زالت هناك مخيمات مهينة لم تحرك ساكنا لاعادة تأهيلهم. ما شأنها ولجوئهم. الدعاية الاسرائيلية خلقت وضع فيه مجرد البحث في مصيرهم هو أمر غير شرعي تماما، وهو امر يسعى الى تقويض اسرائيل ويعمل على تدميرها. المتهم الاساسي بنكبتهم نظف نفسه من كل تهمة ومن كل مسؤولية ومن كل خطيئة ومن كل واجب لاعادتهم أو تعويضهم.
ولكن بهذا لم يكتف. مكرهة الروائح التي تتصاعد من حين الى آخر من بيوت مستوطنة بيت ايل نحو مخيم الجلزون المجاور تقلق المستوطنين كما يبدو. ربما ايضا القذارة التقليدية التي تتصاعد من مخيم اليرموك الخرب في سوريا، من صبرا وشاتيلا النازفة في لبنان، من البريج والشاطيء في غزة، من الفوار وعايدة، من نور شمس وجنين في الضفة الغربية، ما زالت تزعج اللاوعي الصهيوني، لقد حان الوقت للمعركة الاخيرة في المسرحية.
في هذه المعركة سنضع حدا لمشكلة اللاجئين، هذا اذا كانت هناك “مشكلة”كهذه. رصاصة البداية اطلقت في واشنطن: الحرب التي منعتها اسرائيل ضد الاونروا حظيت هناك بآذان صاغية، والامريكيون يقومون بتقليص ميزانيتها ويقولون إنه يجب اغلاقها. ليس هناك وكالة غوث “اونروا” وليس هناك لاجئون. ولكن من سيمول التكاليف الصحية، التعليم والغذاء لمئات آلاف هؤلاء الفقراء؟ فورا بدأت معركة من اجل تسويد صورة الضحايا واثارة الشك في مسألة لجوئهم، هي المعركة الاكثر وقاحة من بين المعارك.
كيف يتجرأ هؤلاء الوقحون على التجول في المنفى وأن يظلوا لاجئين؟ لماذا الدول العربية لم تقم بفعل شيء من اجل انقاذهم؟ جيل ثالث ورابع من اللاجئين؟ ليس هناك شيء كهذا. بأي حق، حيث أن الالمان من السوديت لاند يتم اعادة تأهيلهم بسرعة. اذا كيف يتجرأ إبن النصيرات على التذمر؟ اسرائيل، الدولة المزدهرة من بين دول العالم، والتي أنشئت بفضل اموال التبرعات من العالم، تشتكي من احدى المجموعات السكانية المعوزة في العالم وتتهمها بأنها تتظاهر بذلك. ايضا البيض في امريكا وفي جنوب افريقيا اتهموا السود بأنهم يتحملون مسؤولية وضعهم. الدولة التي صنعت من الحيونة كعلامات فارقة في دعايتها تحتج على تضحيات ضحاياها. وفوق ذلك تضيف احتجاج غريب: كيف يتجرأ اللاجئون على الحلم بالعودة.
هذه لحظة تأسيسية في تاريخ الوقاحة الاسرائيلية. هذه هي اللحظة التي فيها حطمت الدعاية الصهيونية كل الارقام القياسية للوقاحة، العالية اصلا. شعب يؤسس حقوقه في البلاد على ألفي سنة من التطلعات والشوق يحتج ضد شعب آخر من أبناء البلاد مثله طرد على يديه، بأنه يتجرأ على الاشتياق للعودة خلال سبعين سنة. ألفا عام مسموح لأننا يهود، أما سبعين عام فممنوع لأنهم فلسطينيون.
الفلسطينيون متشوقون، شوقهم هو أمر وراثي، أقوى بدرجة لا تقدر من الاشتياق الذي يشعر به والدي نحو فلسطين. شوقهم لن يتوقف، بالتأكيد ليس بأمر من اسرائيل وأمريكا. عدد منهم يعيشون في ظروف مهينة، ويجب انقاذهم. اسرائيل لا تستطيع في أي يوم أن تتهرب من المسؤولية عن وضعهم. حتى لو سامحت امريكا والاونروا اغلقت والحكومة اتخذت قرار بأنه لا يوجد شعب فلسطيني ولن يكون هناك لاجئون في يوم ما.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف