ظاهرا هذه صورة سريالية. رئيس الوزراء ووزير الأمن، اللذان يعارضان بكل شدة الحوار مع حماس (إلى أن تفي بشروط الرباعية – التنكر للعنف والاعتراف بإسرائيل وباتفاق اوسلو)، يصلان إلى تفاهمات معها ويحرصان على الادعاء بانهما لم يتوصلا إلى أي اتفاق معها. ودرجت حماس على الحديث عن أن "الهدوء سيستجاب بالهدوء" فتبنت إسرائيل ذلك ومنحتها المفتاح للهدوء.

طالبت إسرائيل بتجريد القطاع من الصواريخ ومن السلاح والذخيرة لدى الذراع العسكري لحماس؛ ولكن الحكومة الأكثر يمينية التي قامت في أي مرة في إسرائيل مستعدة الآن لـ "تسوية" مع حماس دون ذكر موضوع السلاح، بينما رئيس السلطة الفلسطينية غير مستعد لان يدخل قوات امنه إلى القطاع، طالما لم تحرص حماس على تجريده من السلاح...

وكل هذا دون أن نذكر، للمرة المليون، تبجحات ليبرمان عشية تسلمه مهام منصب وزير الأمن، عن الطريقة الناجعة التي سيعالج بها قادة حماس اذا لم يعيدوا جثماني الجنديين الإسرائيليين. والآن تمنح إسرائيل مستقبل الهدنة الهشة مع حماس لآخر مطلقي البالونات والطائرات الورقية في القطاع.

ولكن في صالح حكومة نتنياهو ينبغي القول انه لا يدور الحديث هنا عن حلم بل عن فكر، وأساسه المعارضة القاطعة لتقسيم البلاد. فليس صدفة انه في الثمانينيات فضل اليمين الحركة الاسلامية في الضفة وفي قطاع غزة على الحركة الفلسطينية؛ فقد كان التفكير أن الحركة الوطنية سترغب في دولة في المناطق التي احتليناها في الايام الستة، بينما الحركة الدينية ستكتفي بإعطاء امكانية تعليم الجيل الشاب وفقا لطريقها.

في التسعينيات انكشف وجه حماس، التي خرجت بعد المذبحة في الحرم الابراهيمي في عمليات انتحارية في ظل الاستعداد لعمل كل شيء من أجل منع تنفيذ اتفاق اوسلو. في هذه المرحلة انزلها اليمين إلى مرتبة متساوية م.ت.ف. في 2004، عندما حاولت اقناع رئيس الوزراء ارئيل شارون بان ينفذ الانسحاب من غزة كجزء من الاتفاق مع م.ت.ف وان يتوصل إلى اتفاق في هذا الموضوع مع الرئيس الفلسطيني الجديد محمود عباس، والا يمنح القطاع على طبق من فضة لحماس، قال ليس انه لا يوجد اي فرق بين حماس و"م.ت.ف"، وانه لا يقلق من وضع تسيطر فيه حماس في غزة.

اما نتنياهو كرئيس للوزراء فقد ابدى تصميما على معارضته لتقسيم البلاد، رغم معارضته العلنية للدولة ثنائية القومية، ورغم خطاب بار إيلان، الذي كرر فيه استعداد شارون لقبول وجود دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. والشروط الكثيرة التي وضعها أمام اقامة هذه الدولة، جعلت هذا الخيار نظريا فقط، إلى أن يتمكن من أن يقول باستقامة لمؤيديه، عشية الانتخابات السابقة انه لن تكون دولة فلسطينية طالما كان رئيسا للوزراء.

عندما طلب وزير المواصلات إسرائيل كاتس التعقيب على المخططات الاحتياطية التي اعدت في الاتحاد الاوروبي بالنسبة للمسارات المحتملة "للمعبر الامن" بين قطاع غزة والضفة الغربية، المعبر الذي يشكل جزءا من الاتفاق الدولي بين إسرائيل والفلسطينيين، لم يتردد في الإعلان بان معبرا كهذا لن يقوم ابدا.

وعليه فإن تفضيل حماس ليس صدفة. فمن يحتاج إلى محفل يعلن أن التعاون الأمني مع إسرائيل مقدس؟ من يحتاج إلى محفل يكرر أنه لا ينوي العودة إلى بيته في صفد؟ من يحتاج إلى شريك يقف أمام عرفات ويطالبه بالعمل على وقف الانتفاضة الثانية؟ من يحتاج إلى شريك يطالب، مثلنا، بتجريد قطاع غزة من السلاح؟ هذا محفل يطلب منا ان نجري معه مفاوضات على أساس حدود 1967، وتبادل للأراضي، وبالتالي فإن اليمين غير مستعد، حتى لو كان الأمر يعرض للخطر المستقبل اليهودي لإسرائيل. ليس صدفة أن علق نتنياهو في مفاوضات ينفيها مع حماس. فالارتباط بـ م.ت.ف في مواجهة حماس لا يمكنه أن يكون جزءا من جدول أعماله الايديولوجي رغم أن الأمر واجب وينسجم مع المصلحة الحقيقية لإسرائيل.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف