عندما تلقى البريطانيون السيطرة على فلسطين، في إطار نظام الانتداب الدولي، تضمنت المنطقة شطري نهر الاردن ووقعت على مساحة نحو 117 الف كيلو متر مربع. غير أنه في 1921 أجرى البريطانيون فصلا. فقد اقتطعوا القسم الشرقي من نهر الاردن، الذي اصبح “إمارة شرقي الاردن”. ويدور الحديث عن منتج استعماري بكل معنى الكلمة. وحين عينت لجنة اللورد بيل في 1936، في اعقاب الثورة العربية الكبرى، قررت اجراء تقسيم اضافي. نحو 4.800 كيلو متر مربع فقط خصصت للدولة اليهودية، 20.600 كيلو متر مربع اضيفت الى الدولة العربية، امارة شرقي الاردن، التي كانت منذ ذلك الحين تقع على مساحة 90 الف كيلو متر مربع. ولم تكن التوصية باقامة “دولة فلسطينية” لانه لم يكن في حينه شعب فلسطيني أو كيان فلسطيني، بل باقامة دولة عربية واحدة على ضفتي نهر الاردن.
يجدر بنا أن ننتبه الى أنه خصص للدولة العربية اكثر من 96 في المئة من مساحة فلسطين الاصلية، وللدولة اليهودية 4 في المئة. وكانت المعارضة العربية لذاك التقسيم ليس على اقامة دولة عربية على ضفتي الاردن بل على النسبة القليلة التي خصصت للدولة اليهودية. وفي قرار التقسيم في 1947 خصص للدولة العربية 15 الف كيلو متر مربع، شكلت اقل من 13 في المئة من فلسطين الاصلية. وبالفعل، تحسين جدي. وفي اعقاب الرفض العربي العام للتقسيم الجديد ايضا، واجتياح الجيوش العربية لاسرائيل، ازداده مساحة الدولة اليهودية الى 21 الف كيلو متر مربع.
على شيء واحد لا جدال: لم يكن أي فصل بين سكان شطر الاردن الغربي وشطر الاردن الشرقي. فالحديث يدور عن ابناء العائلات ذاتها، الدين ذاته، اللغة ذاتها والثقافة ذاتها. بعد حرب الاستقلال ضم الاردنيون الضفة الغربية ومنحوا المواطنة لاولئك الذين كانوا يعيشون قبل ذلك تحت حكم الانتداب البريطاني. لم يكونوا فلسطينيين في تلك الايام؛ كانوا عربا. والامم المتحدة لم تقرر اقامة دولة فلسطينية. بل قررت اقامة دولة عربية. والربط الذي نفذه الاردن كان طبيعيا تماما. لم يكن هذا ربطا بين غرباء بل بين اخوة.
بعد حرب الايام الستة، كان “الخيار الاردني” الامكانية المفضلة لليوم الذي يكون فيه ممكنا الوصول الى اتفاق سلام. فالعالم العربي على أي حال لم يقم دولة منفصلة في العقدين اللذين لم يكن فيهما “احتلال”. في 1987 جرت المحاولة الاخيرة لتحقيق الخيار الاردني، في اطار اتفاق لندن بين الملك حسين وشمعون بيرس. اما اسحق شمير، رئيس الوزراء في حينه، فقد استخدم الفيتو. ويعد هذا خطأ تاريخيا.
لو كان الشرق الاوسط يعمل بشكل عقلاني، لكان الربط بين ابناء الشعب ذاته ينبغي أن يكون طبيعيا. فهؤلاء واولئك يتحدثون عن الوحدة العربية. سلسلة من المتحدثين العرب، بمن فيهم عزمي بشارة مثلا، اعترفوا بانه “لا يوجد شعب فلسطيني”. يمكن أن نفهم وجود مصر، العراق وسوريا، التي لكل واحدة منها يوجد، على هذا المستوى أو ذاك، تاريخ وتراث يمنحانها خصوصية معينة. ولكن الاردنيين والفلسطينيين؟ لهم حق في حكم ذاتي. ولكن الفصل، على ماذا ولماذا؟ فما الذي يميز بينهم بالضبط؟ لا شيء.
اليسار العالمي ونشطاء فلسطينيون في الضفة، مثلما ايضا قسم من اليمين الاسرائيلي، يتحدثون عن “دولة واحدة”. غير أن الدولة الواحدة تقام بين جماعات متشابهة، متماثلة، ذات دين وثقافة موحدين، وليس بين جماعات مختلة. الاردن هو فلسطين، وفلسطين هي الاردن.تشيكوسلوفاكيا انقسمت الى كيانين. ويوغسلافيا انقسم الى سبعة كيانات، على اساس تقرير مصير ديني واثني. وما كان صحيحا هناك وصحيح لمعظم دول العالم – ينبغي ان يكون صحيحا ايضا للشرق الاوسط.
وعليه، على افتراض ان الادارة الامريكية، مثلما روى ابو مازن أمس، قد اقترح بالفعل اقامة كونفدرالية اردنية – فلسطينية، فهذا اقتراح واجب وصحيح. ليس واضحا لماذا يصر ابو مازن على ضم اسرائيل الى هذه الفيدرالية. هل الكرواتيون طلبوا ضم السلوفانيين؟ صحيح ان 31 سنة بعد اتفاق لندن يخيل أن الخيار الاردني قد شطب عن الطاولة، ولكن المنطق يستوجب اعادته الى الطاولة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف