رأى البروفيسور دانئيل بلطمان، وهو مؤرّخ إسرائيليّ يعمل أستاذًا في الجامعة العبريّة في القدس، رأى في مقالٍ نشره في صحيفة (هآرتس) العبريّة، أنّ الإسرائيليين، قيادةً وشعبًا، ما زالوا يبعدون على الأقّل ألف سنةٍ ضوئيّةٍ عن القيام بالخطوة الأولى من أجل إرضاء الشعب العربيّ الفلسطينيّ على الجرائم التي ارتكبوها بحقّه على مدار السنين الماضية، وأنّه في “عيد الغفران” القريب، لن تشفع ولن تنفع طلبات العفو، التي يقومون بها لطلب السماح من الله سبحانه وتعالى.
وتابع قائلاً إنّ السواد الأعظم من الجمهور اليهوديّ في إسرائيل، هذه الدولة التي سنّت مؤخرًا قانون القوميّة العنصريّ، يعيش في حالة إنكارٍ تامٍّ التي تسمح له بالتعامل والتعايش مع الحقيقة الساطعة كالشمس وهي أنّ دولته تقوم منذ عشرات السنوات بتنفيذ جرائم التي تُصنّف حسب القانون الدوليّ بأنّها جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانيّة، قال البروفيسور بلطمان، الذي لفت إلى أنّ اليهود هم ليسوا الكولكتيف الوطنيّ أوْ الجماعة الأولى في التاريخ الذين يتبنّون وسائل إنكار من هذا القبيل، فالتاريخ يؤكّد وجود هذه الظاهرة لدى شعوبٍ أخرى.
وفي خطوةٍ لافتةٍ للغاية أجرى البروفيسور الإسرائيليّ مقارنة ومقاربة بين ما يجري في المجتمع اليهوديّ بإسرائيل، وبين ما كان يجري داخل المجتمع الألماني في فترة سيطرة الحزب النازيّ على الحكم هناك، وسأل، اقتباسًا من البروفيسور الألمانيّ، دتلاف فويكرت، الذي أصدر كتابًا حول الموضوع: كيف واصل المجتمع الألماني العيش بصورةٍ هادئةٍ وطبيعيّةٍ في الوقت الذي كان حكّام دولته يُنفذّون أبشع العمليات الإجراميّة ضدّ أقليّةٍ؟ وأضاف: كيف استطاع المجتمع الألمانيّ من العيش بشكلٍ عاديٍّ دون أنْ يلتفت ولو لبرهةٍ إلى الجرائم التي نفذّها الجيش الألمانيّ ضدّ الملايين من أسرى الحرب من الاتحاد السوفيتي إبّان الحرب العالميّة الثانيّة؟؟
علاوةً على ذلك، اقتبس البروفيسور الإسرائيليّ من الكتاب الألمانيّ لفويكرت، الذي تمّت ترجمته إلى اللغة الإنجليزيّة في العام 1987، سؤالاً لا يقّل أهميّةً عن الأسئلة التي طُرحت أعلاه، وهو الذي تمحور في كيفية مُوافقة الأمّة أوْ الشعب في ألمانيا أنْ تُرتكَب باسمه وباسم أولاده وبناته جرائم فظيعة، والتي لا يُمكِن للعقل البشريّ أنْ يتحملّها؟.
وشدّدّ البروفيسور بلطمان على أنّ مؤلّف الكتاب الألماني حاول تفسير هذه الظاهرة بأنّ الألمان كانوا عمليًا أسرى التفسيرات التقليديّة التي انتشرت في تلك الحقبة، أيْ أنّ المجتمع الألمانيّ كان لا مُباليًا بسبب معاداة الساميّة التي آمن بها، وبالتالي فإنّ الجرائم التي ارتُكبت ضدّ اليهود والروس لم تُقلقه أوْ تُخرجه من حالة البلادة، على حدّ تعبيره.
وأردف البروفيسور الإسرائيليّ قائلاً إنّ الأغلبية الساحقة من الشعب الألماني لم تكُن تُحّب اليهود، وكانت هذه الأغلبيّة تُحبّذ أنْ تراهم يتركون ألمانيا إلى مكانٍ بعيدٍ، ولكنّ هذه الأغلبيّة، كما أثبتت الأبحاث التي جرت لاحقًا وحتى اليوم، لم تكُن تؤيّد قتل اليهود من قبل نظام الحكم، أوْ أنْ تفعل أيّ شيءٍ وكلّ شيءٍ من أجل التخلّص منهم، تمامًا مثل الأغلبية الساحقة من اليهود الذين يعيشون هنا وعلاقتهم بالفلسطينيين، والقصد أولئك الفلسطينيين الذين يحملون الجنسيّة الإسرائيليّة (عرب الـ48)، الذين يعيشون في بلد احتلال يُمارِس نظام العزل العنصريّ (الأبرتهايد)، على حدّ وصف البروفيسور بلطمان.
وأشار المؤرّخ الإسرائيليّ إلى وجود جماعاتٍ مُختلفةٍ، مثل المُجرمين اليهود الذين لا ينتمون بشكلٍ أوْ بآخر إلى النازيين الجدد، أوْ حاخامات العنصريّة وفوقية اليهوديّ على شعوب العالم الأخرى، والسياسيون في حزب الليكود، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والذين يقومون عمليًا بتطبيق نظريات العنصريّة التي يُطلِقها الحاخامات المُتطرّفين في المدارس الدينيّة في الضفّة الغربيّة المُحتلّة، على حدّ قوله.
وشدّدّ البروفيسور بلطمان على أنّ التفسير الذي تبنّاه الأستاذ الألمانيّ دتلاف فويكرت في تبرير تصرّف الشعب الألمانيّ مع ما يجري في المجتمع اليهوديّ في إسرائيل مُقلق ومُزعِج حتى الألم، إذْ أنّ ألمانيا النازيّة، على الأقّل حتى العام 1943، كانت تمامًا مثل إسرائيل 2018، مجتمع مُتحضّر مع اقتصادٍ نامٍ وسليمٍ، لافتًا إلى أنّ السواد الأعظم من اليهود في إسرائيل لا يأبهون لأنّ دولتهم تقوم بسجن أكثر من 2 مليون فلسطينيّ في غيتو، لأنّ مَنْ يعيش في مستوى عالٍ من الرفاهيّة، في ظلّ اقتصادٍ رأسماليٍّ، لا يهتّم بالمرّة لما يجري لشعبٍ آخر، حتى لو أنّ دولته هي المسؤولة عمّا حلّ به أوْ يجري له، قال البروفيسور الإسرائيليّ.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف