في الانتخابات للكنيست الثانية في نهاية 1973 انتظمت حركة باسم “مع ذلك، المعراخ”. لرؤسائها – المؤرخ شموئيل اتنغر والجنرال (احتياط) ماتي بيلد – كان لديهم انتقاد شديد على سلوك حزب المعراخ وحكومة غولدا مئير، لكنهما قالا إن اضعافها من شأنه أن يؤدي الى تشكيل حكومة يمين ستقود الى شلل سياسي. لذلك، فقد أوصيا بدعم المعراخ، ليس بسبب التماهي معه، بل بسبب الشعور بالحاجة الى ذلك. هذا النموذج يمكن أن يبرهن على التعقيد الكامن في دعم نتنياهو. في ايار 1999 هزم باراك رئيس الحكومة في حينه بنيامين نتنياهو في الانتخابات. في ليلة الفوز تحدث باراك عن “فجر يوم جديد” وخلق شعور (الذي كان ليس اكثر من وهم) بأن حكم نتنياهو ليس سوى فترة عابرة. ولكن بعد ذلك قام باراك بخطوتين لا يمكن غفرانهما.
الخطوة الاولى متعلقة بمنصبه كرئيس حكومة. باراك ذهب الى محادثات مع الفلسطينيين في كامب ديفيد حيث كان خلفه حكومة مفككة وبدون دعم سياسي بالحد الادنى – وهذا دلالة على الغطرسة الكبيرة. بعد فشل المؤتمر فشلا ذريعا قال إنه “لا يوجد شريك” في الطرف الفلسطيني. هكذا منح باراك نفسه لليمين الاستيطاني هدية أغلى من الذهب: تبرير لكل رفض للحوار مع جيراننا، والمفاوضات السياسية. فعليا باراك تحول الى عزيز المستوطنين. وعندما تمت اقالته من منصبه، الانتفاضة الثانية كانت في ذروتها، وليس من نافل القول التذكير بأنها اندلعت في اعقاب مصادقة باراك على زيارة اريئيل شارون في الحرم. في الانتخابات التي تلت ذلك في شباط 2001، هزمه شارون.
الخطوة الثانية كانت الامكانية التي منحها لنتنياهو من اجل الوصول الى الحكم. عشية انتخابات الكنيست الـ 18 (2009) اعلن بصورة احتفالية عن نيته الذهاب الى المعارضة بعد فشل حزب العمل، الذي كان في حينه رئيسه (لقد حصل الحزب على 13 مقعدا). ولكن في نفس الليلة اجرى اتصالات مع نتنياهو، وهكذا منحه الفرصة لتشكيل حكومة مريحة جدا.
باراك تنازل فعليا عن احتمالية تشكيل كتلة معارضة مع “كديما” من اجل اسقاط حكومة اليمين الجديدة. وحقيقة أن نتنياهو ما زال يشغل منصب رئيس الحكومة بعد سنوات كثيرة، تنبع بدرجة كبيرة من موقف باراك في 2009. بعد سنتين، في العام 2011، شطر باراك حزبه واقام قائمة جديدة – “الاستقلال”، الذي اربعة من خمسة اعضاء فيها اصبحوا اعضاء في الحكومة. قبل الانتخابات التالية، في 2013، تبين لباراك أنه لا يوجد لحزبه الجديد أي احتمال لاجتياز نسبة الحسم واعلن عن انسحابه من السياسة من خلال تخليه عن زملائه الذين ساروا خلفه.
رغم هذه الاقوال القاسية، أنا مستعد لدعم باراك، لأنه في الساحة السياسية – في الائتلاف والمعارضة – ليس هناك اليوم من هو قادر على ضعضعة حكم نتنياهو. هو سيواصل السكن في شارع بلفور رغم التحقيقات معه، وذلك بسبب استعداده لدفع أي ثمن من اجل ذلك، وسيواصل هدم أسس الحكم في الدولة.
رؤساء حزبه يخافون منه خوفا شديدا – رأينا كيف أن وزير الامن الداخلي جلعاد اردان عزل المفتش العام للشرطة روني الشيخ، من اجل ارضائه. في 1990 نجح رؤساء الحزب المحافظ في بريطانيا في عزل مارغريت تاتشر من منصبها بعد أن توصلوا الى استنتاج بأن حكمها الطويل (11 سنة) وصل الى طريق مسدود. لا يوجد احتمال لأن تجري عملية كهذه في الليكود العفن والهابط. ليس هناك حاجة للتطرق الى رؤساء المعارضة الرسميين – آفي غباي ويئير لبيد. هم ينحرفون نحو اليمين من اجل الاقتراب من الحكم وهكذا يحولون احزابهم الى ليكود ب أو ليكود ج. ايضا ليست لديهم القدرة النفسية على الوقوف امام تحريض وسموم نتنياهو. رأينا كيف أن نتنياهو نكل باسحق هرتسوغ عندما حاول الوصول الى مكتب وزير الخارجية.
في هذا الوضع فان النتيجة واحدة: اهود باراك هو الوحيد الذي لا يخاف من نتنياهو، وقادر على التنافس معه. لأنه يراه من أعلى الى أسفل: من ناحية باراك فان نتنياهو الذي نجح في طرده من السياسة هو دائما مرؤوسه. المعضلة بخصوص باراك ليست سهلة، لكنه هو الوحيد الذي يستطيع وقف المسيرة القاتلة التي يقوم بها نتنياهو.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف