النقاش الحالي بشأن قانون القومية يعبر عن فهم جزئي فقط لتداعياته، ويتجاهل جانبا رئيسيا. بطبيعة الحال، ثمة ميل للتركيز على الأخطار التي يخلقها القانون بالنسبة لمفهوم المواطنة الإسرائيلية وتداعياته المستقبلية على حقوق المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، ذلك أن القانون جاء لتجذير نظام التقسيم العرقي ولتقليص هامش المناورة القانونية لمكافحة التمييز ضد الظلم العنصري، ولكي يدمج كأساس دستوري سياسة التهويد المستمرة والتمييز التخطيطي والموازناتي ضد المجتمع العربي.
كل هذا مهم وخطير بما يكفي، ولكن من أجل قراءة الخريطة بأكملها، علينا تركيز النظر أيضا على جانب آخر من القانون: مخطط حكومة إسرائيل لضم مناطق «ج» وفرض «حل» على سكان الضفة الغربية على شكل كونفدرالية مع الأردن.
يمهد قانون القومية الطريق القانونية لتقدم سريع في هذا الاتجاه الذي تخطط له الحكومة، حيث قيادة المستوطنين هي القوة الأهم في الأحزاب التي تقودها.
لهذا تنضم اليوم ظروف دولية وإقليمية سهلة بشكل خاص لضم مناطق «ج» ناضجة، هكذا يشعرون في اليمين، وهذه الإجابة الأساسية للتساؤل الذي طرح مرات كثيرة بخصوص حاجة الحكومة لقانون القومية، وقد طبقت إسرائيل بدونه كل البنود المتعلقة بتمييز المواطنين العرب. عن السؤال الواسع الانتشار «ما الجديد حقاً في القانون؟» فإنه وبناء على ذلك ثمة إجابة واضحة: إعطاء شرعية قانونية لتطبيق مخطط الضم. إسرائيل تسعى لضم أجزاء واسعة من الضفة بواسطة استمرار التوسيع والترسيخ للمستوطنات من أجل أن تخلق بهذا حقيقة قائمة، والتي معناها تصفية كل إمكانية بادية للعيان لسيادة فلسطينية.
في شباط/فبراير الماضي، نُشر في «واشنطن بوست» مقابلة مع الوزيرة أيلت شاكيد عنوانها: وزيرة العدل الإسرائيلية تشرح لماذا تعد إدارة ترامب جيدة لمخططها في الضفة. في المقابلة تقول شاكيد إن إدارة ترامب أقل انتقاداً بكثير للسياسة الإسرائيلية من كل الإدارات التي سبقتها، ويجب استغلال هذا من أجل تطبيق خطة الضم لمناطق «ج»: «هذا بالتأكيد هو الوقت المناسب لتطبيق السادة الإسرائيلية على المناطق». وقالت: «أعتقد أنه خلال 3 سنوات سيفهم المجتمع الدولي أن هذا هو الحل الصحيح».
اللجنة الوزارية لشؤون التشريع، التي تقف شاكيد على رأسها، صادقت على طرح مشروع يوسع الصلاحيات القضائية للمحاكم الإسرائيلية لتشمل مناطق ج. إذا مرّ هذا المشروع فإنه سيضعف احتمالية قدرة الفلسطينيين على الدفاع عن أنفسهم في المحكمة العليا ويعزز السيطرة الإسرائيلية في المناطق. هدف مهندسي الضم ليس هو السيطرة فقط على مناطق محدودة محاذية للخط الأخضر، بل على 61 في المئة من أراضي الضفة.
منذ احتلال المناطق، تتبع إسرائيل أساليب ممنهجة من القمع العسكري ضد سكان مدنيين محتلين، واستيطان مكثف، ومصادرة أراضي، وهدم قرى وبيوت، وتدمير حقول وكروم. الاتجاه المتراكم هو تطهير عرقي زاحف. مناطق «ج» هي ذات أهمية استراتيجية، غنية بالموارد الطبيعية والمياه، وهي خصبة وتشكل احتياطي أراض مناسب للبناء. بالطبع بدون هذه المناطق ليس هنالك إمكانية لوجود دولة فلسطينية.
قانون القومية يجب فهمه، بناءً على ذلك، في إطار الخطة الإسرائيلية ـ الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية: لا للقدس، لا لحق العودة، ولا لدولة ذات سيادة. الاقتراحات الأمريكية ـ الإسرائيلية تتحدث عن أن مناطق «أ» و «ب» التي لا تضم القدس ومعظم الضفة ـ ستكون جزءاً من كونفدرالية مع الأردن، حيث المسؤولية الأمنية على المنطقة ستكون فعلياً أردنية ـ وفكرة الكونفدرالية بين غزة ومصر أيضا ظهرت في الاقتراحات. النضال ضد خطة الضم يجب، بناءً على ذلك، أن يتحول إلى هدف أساسي لمقاومة قانون القومية، ولكل مكونات النضال الفلسطيني والدولي.
مفاهيم مثل «مناطق» ربما تبدو باردة قليلاً وليست ملموسة تماما، وليس لديها قيمة حساسة، وليس لها المعنى الوجودي الموجود لكلمات مثل القدس، ولكن الحديث يدور عن قرى وأشخاص يناضلون من أجل وجودهم ومستقبلهم مثل الخان الأحمر، وكفر قدوم، وغور الأردن، الأمر المطلوب حالياً هو النضال ضد بشارة النكبة الجديدة التي تحلق فوق رؤوسهم.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف