وقف النار مع حماس الذي انتهى هذه المرة قبل ان نعرف على الاطلاق بانه بدأ، ليس اكثر من وهم للمدى القصير. لانه لا يوجد وقف للنار مع الجهاد. قد تكون هناك أدوية تهدئة مؤقتة، مع اسماء مختلفة، مثل “الهدنة”، “التهدئة” وأخيرا “التسوية”. بحيث انه ينبغي الاعتراف بانه لا يوجد حل سحري للسخونة المتجددة في الجنوب، التي كانت ستأتي حتى دون العملية التي قتل فيها اول امس المقدم م.
كي نفهم التعقيدات ينبغي أن نتذكر ان حماس ليست حركة تحرر. فهي منظمة اخرى في سلسلة منظمات الجهاد، من طالبان حتى القاعدة، من بوكو حرام حتى داعش، التي رغم الفوارق بينها لها قاسم مشترك: فهي تنتمي لعائلة الاخوان المسلمين. هنا وهناك هذه المنظمات قادرة على أن تجري مفاوضات، حين تخدم هذه المصالح. حالات لوقف النار اعلنت ايضا بين نيجيريا وبوكو حرام وبين افغانستان والباكستان وفروع طالبان. ولكن مثلما قال عرفات فان هذه اتفاقات من نوع “الحديبية” اي الخداع لغرض استمرار القتال. فقد سبق للناطق بلسان حماس أن اعلن في الماضي بان كل وقف للنار مع اسرائيل يستهدف هدفا واحدا هو التسلح لغرض استئناف الكفاح في ظروف محسنة. وفي كل الاحوال فان ايا من حالات وقف النار مع اي من منظمات الجهاد لم يصمد. القتل مستمر. والان هذه حماس، التي كان يخيل انها تعمد الى تخفيض مستوى العنف مقابل الفدية من قطر.
الاخطر من ذلك هو أنه اذا كان ممكنا هزيمة واحدة من هذه الحركات، فان هذا ثمن لا يمكن لاسرائيل ان تدفعه. فقد جعلت روسيا الشيشان جزر خرائب في اثناء حربين في التسعينيات. ورغم انها قوة عظمى، ورغم أن هذا صراع مع كيان عدد سكانه اقل من عدد سكان غزة، ورغم ان الكيان المتمرد كان محوطا من كل جوانبه، ورغم ان الجيش الروسي لم يتردد في استخدام اي وسيلة، لم يكن حسم. وعندما نفكر بان اسرائيل لا يمكنها أن تفعل لغزة ما فعله ائتلاف واسع من الدول للموصل في العراق، يكون من الاجدى ان ننسى “ضربة واحدة وانتهينا”. في واقع الامر سيكون من الاصح القول ان لاسرائيل قدرة عسكرية لسحق حماس، ولكنها ليست مبنية لان تدفع الثمن، الداخلي والدولي، على مثل هذا السحق.
كان محقا رئيس الوزراء حين قال أول امس انه لا حلا سياسيا مع حماس، لان حماس تتطلع الى ابادة اسرائيل. ولكن هذا لا يعني انه لا حاجة الى سياسة. وليس للحكومة الحالية سياسة. فهي تنتقل من دواء مؤقت الى دواء مؤقت، فيما تكون هذه الادوية تفيد أقل فأقل. يحتمل أن يكون الاتجاه يجب أن يكون حصارا أشد خطورة. ولكن يمكن لهذا أن يحصل فقط بعد أن تعزز اسرائيل نفسها في نقطة الضعف مع حماس: الشرعية الدولية. تعرف حماس أن العالم المزدوج الاخلاق الذي سكت على القصف الوحشي على الموصل، سيستيقظ الى الحياة في ضوء قصف اقل وحشية على اهداف عسكرية في غزة. وهذه اليقظة ستشل قدرة عمل اسرائيل. ينبغي الاعتراف بأمر اضافي آخر. ابو مازن محق. فهو يرفض التسوية لانها تعزيز لحماس. وهو يشترط المساعدة لاعادة حكم السلطة على القطاع. هذه فرصة ذهبية لاسرائيل لغرض خلق جبهة موحدة – دولية، فلسطينية واسرائيلية – تعرض لحماس مبادرة مشتركة وسخية، تقوم على اساس وقف الحصار والازدهار مقابل التجريد. عمليا، لا حاجة لاسرائيل أن تطرح شروطا. فقد سبق ان طرحها الاتحاد الاوروبي والسلطة الفلسطينية.
يوجد الف ادعاء وادعاء صحيح ضد ابو مازن. يوجد تضارب للمصالح. ولكن هذه المرة، موضعا، يوجد لقاء مصالح. وبالاساس، ابو مازن يحافظ، بعناية بشكل عام، على القسم الامني في اتفاق مع اسرائيل. والمبادرة المشتركة لن تجعل حماس منظمة سلمية، إذ ان الجواب السلبي متوقع مسبقا. ولكنه سيوضح لاولئك الذين ليس واضحا لهم بعد، منا ايضا، بان حماس هي التي تتحمل المسؤولية الحصرية عن استمرار الاغلاق، الضائقة والعنف. هكذا بحيث انه محظور، ببساطة محظور، الدخول في مواجهة قبل بلورة سياسة وعرض مبادرة. وبعد ذلك، اذا لم يكن مفر من المواجهة، فان اسرائيل ستدخل اليها وهي محقة اكثر بكثير، وبالتالي اقوى بكثير ايضا. هذا ليس متأخرا. رغم ضجيج الصواريخ، رغم المشاهد القاسية من الجنوب، رغم النار وعواميد الدخان، فان المبادرة هي امر الساعة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف