اليسار الصهيوني لا يعرف كيف يواجه المشكلة الأكثر مصيرية والتي تشكل أكثر من أي شيء آخر صورة إسرائيل. هو يحمل ذنبا ثقيلا فيما يتعلق بها. ليس لديه أي حل لها، لذلك فقد ضل طريقه، مدركا لحالته، اخترع لنفسه طرقا التفافية تحرف الانتباه عما هو غير مستعد لمواجهته. اليسار اخترع لنفسه رواية تساعده على التملص من الموضوع الرئيسي الذي يقض مضاجعه أيضا. هو انساني واخلاقي، هكذا لا يجب عليه أن يواجه أو أن يقترح الحلول.
إن عقده إزاء إضاعته للطريق، مشاعر الذنب التي يحملها، يحولها اليسار إلى موضوعين يتعلق أحدهما بالآخر: قتل يتسحاق رابين وكراهية بنيامين نتنياهو. المبالغة الهستيرية بالانشغال بهما، الاستحواذ، تنبع من مشاعر الذنب الخفية لليسار على أنه لا يوجد لديه أي رد على الاحتلال. وهو الموضوع الذي يصف اكثر من أي شيء آخر إسرائيل. الانشغال الهستيري بقتل رابين والكراهية المجنونة، ليس أقل من ذلك، لبنيامين نتنياهو، هي الملاذ لليسار من مواجهة تحول إسرائيل إلى دولة احتلال وابرتهايد، الذي ليس لديه أي رد عليه. لا يجب الاستخفاف بقتل رابين أو بأضرار نتنياهو، لكن عندما يكونان هما الاساس فإن الامر يتعلق ازمة فكرية عميقة.
واليكم باختصار الرواية التي خلقها اليسار لنفسه: رابين كان سيحل وضع الاحتلال ويصنع السلام. بالضبط في حينه جاء نتنياهو وحرض على القتل وتسبب به. رابين قتل، نتنياهو ورث وأنهى الأمل الإسرائيلي. هذه هي اللحظة التي فيها "انتهت لي فيها الدولة"، قال اليسار. هذه الرواية ليست مرفوضة، هي فقط مبالغ فيها جدا. المبالغة استهدفت اخفاء الواقع. قتل رابين كان حادثة صعبة، لكنها أقل مصيرية مما يصفه اليسار.
نتنياهو هو رئيس حكومة ضار، لكنه أقل مما يعرضه اليسار. يوجد شك كبير اذا كان رابين سيصنع السلام. الطريق ما زالت طويلة، هو فقط بدأها، وأيضا البداية كانت اشكالية. إن ربط الاحتلال، الحصار، الارهاب والحروب بقتل رابين هو تشويه للتاريخ. هذا الامر مريح لليسار لأنه يعفيه من كل ذنب. الاحتلال لم يبدأ باليمين، والاستيطان لم يولد مع الليكود.
ليس أقل مبالغة هي كراهية نتنياهو. رئيس الحكومة يستحق انتقاد اليسار ومعارضته الشديدة، ولكن الشيطنة وعدم الاستعداد للاعتراف بأي من أفعاله بأنها جيدة، تشهد على اليسار اكثر مما تشهد على نتنياهو. هناك خطوات لنتنياهو حتى اليسار كان سيفعلها. وربما كان سيختار طرقا اكثر سوءا، عبادة الامن مثلا، تتشابه في المعسكرين. أيضا دعم الاستيطان متشابه اكثر مما يظهر.
ليس كل كوارث إسرائيل بدأت بقتل رابين، وليس كل امراضها ستنتهي بتغيير نتنياهو. ولكن عندما لا يكون هناك ما يطرح، فانهم يلقون كل الاتهامات على نتنياهو. هو تسبب بالقتل، بفضله تم تخليد الاحتلال، بسببه إسرائيل تخسر، فقط بسببه.
اذا كان الوضع كذلك، فليس لليسار غطاء. عندما لا يكون هناك ما يعرض، ليس بالامكان الفوز في الانتخابات. يمكن بالطبع مواصلة تكرار "دولتين"، في الوقت الذي لم يعد فيه هناك مكان لاقامتهما، ضمن امور اخرى، بسبب اليسار. يمكن مواصلة تكرار "يهودية وديمقراطية"، والهرب من الاختيار بين القيم المتناقضة. يمكن أيضا مواصلة الوعد باجراء مفاوضات للسلام وكأن هذا هو الهدف، ومعرفة أنه ليس لليسار أمر صادق يشار اليه.
ويمكن أيضا بالطبع شيء آخر: التوقف عن العويل على رابين والحزن عليه وكراهية نتنياهو، اكثر مما يستحق الامر، واقتراح طريق جريئة بديلة مثل التي لم تجرب في أي يوم. ولكن هذا اصبح كبيرا على اليسار الصهيوني، البديل الإسرائيلي الوهمي لليمين.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف