يمكن قول الكثير عن الرئيس ترامب، لكنه في “المشاهدة” يفهم. “صفقة القرن” هو اسم مدهش لخطة سلام، منذ سنتين كان يجب أن يتم الكشف عنها “قريبا”. صحيح أنه حتى الآن نشر الخطة يتوقع أن يؤجل مرة اخرى “من اجل ارضاء نتنياهو”. وزيرة العدل اييلت شكيد التي وصفت مؤخرا الخطة بـ “مضيعة للوقت”، راضية بالتأكيد، لكن ايضا اذا تم الكشف عن “صفقة القرن”، فنحن لا نوصي اليساريين بالانفعال، وأن يتم اغراءهم بالايمان أن نتنياهو هو الذي سيقود تقسيم البلاد.
أنا أذكر اقوال نتنياهو في 2001 لابناء عائلة هيركوفيتش من مستوطنة عوفرا، عندما تحدث بصفته “مواطن قلق”، ولسانه كان حرا كما يبدو. “كيف سنقلص الانسحابات”، شرح، “ساعطي تفسير للاتفاق بحيث يمكنني من وقف هذا التسارع نحو خطوط 1967”. وعندما فصل الطريقة التي قام بها عندما كان رئيسا للحكومة، مثل الساحر الذي يكشف للجمهور كيف ضلل الجمهور تفاخر، “منذ تلك اللحظة اوقفت بالفعل اتفاق اوسلو”.
نتنياهو يريد استمرار الاحتلال مثلما يريد استمرار حكمه. لقد فهم أنه من اجل أن يحكم دولة اسرائيل يجب عليه أن يحكم ملايين الفلسطينيين. الاحتلال وحكم اليمين يسيران معا. فقط مؤخرا، في حين أن التقارير عن صفقة السلام تتدفق من واشنطن، حولت الحكومة 22 مليون شيكل لبناء “حي حزقيا” في قلب الخليل، ووزير الدفاع اعلن عن بناء جديد فوق السوق القديمة في الخليل.
هذه الامور تخبرنا عن الخطة الحقيقة والواضحة لنتنياهو وحكومته: هو يعرف أنه لن تكون أي مفاوضات، ولن يكون هناك اتفاق سياسي فيه الخليل لا تكون جزء من الدولة الفلسطينية. حكومة تبني وتستثمر، بالتحديد في الخليل، غير معنية بالتوصل الى اتفاق، بل هي تريد تحويل الخليل الى رمز لوضع عدم العودة عن الاحتلال. هي تريد تعزيز مشروع الاحتلال والاستيطان حتى النقطة التي منها لا يمكن تنفيذ حل الدولتين.
ولكن رغم التداعيات الدراماتيكية هذه لقرار حكومة اليمين – غرس وتد آخر في الخليل – فان المعسكر الذي ما زال يأمل بحل الدولتين، صامت. صوته لا يسمع. وهذا هو الوقت المناسب للتأكيد على أنه لا يوجد ولن يكون لليسار اعادة اعمار، وبالتأكيد أي احتمال لتغيير حكم المستوطنين، طالما أن الاحتلال مستمر وفي قلب الخليل.
الآن، عشية الانتخابات، احزاب المعارضة يجب عليها الاستيقاظ، وبدلا من الادمان على مشاهدة المسرحية الأبدية “عودة المفاوضات”، يجب عليها النهوض مثل الذي لدغته أفعى، وكخطوة اولى الاعلان أنه بدون أي صلة بالمفاوضات المستقبلية – يجب اخلاء المستوطنين من الخليل وعلى الفور. لم تكن هناك أي مفاوضات اجرتها اسرائيل مع الفلسطينيين في السابق وفيها الخليل كان جزء من دولة اسرائيل. وليس هناك أي تبرير للظلم الاخلاقي والعبء الامني الموجود في استمرار السيطرة عليها.
حوالي 600 جندي يعرضون حياتهم للخطر كل يوم من اجل الدفاع عن 850 مستوطن في المدينة التي يعيش فيها اكثر من 200 ألف فلسطيني. تحت هذه المظلة الامنية يتصرف المستوطنون كزعران وينغصون حياة الفلسطينيين كأمر معتاد. باسم “نظرية امن مشوهة” حول الجيش شارع الشهداء الذي كان في السابق شارع تجاري رئيسي يضج بالحياة الى شارع لليهود فقط.
باسم “نظرية الامن” مفروض على جنود الجيش الاسرائيلي العبء غير الاخلاقي في أن يفرضوا على الفلسطينيين حياة عار، فقر، اهانة، عنف ومعاناة يومية. والى جانب الثمن الاخلاقي الذي تدفعه اسرائيل يجب أن نذكر ايضا أن المستوطنة غير آمنة. “منطقة ابادة” وصف ذلك ضابط خدم في الخليل، وكل من خدم هناك يعرف بالضبط ماذا يقصد. الواقع المؤلم هذا يعرض للخطر حياة الجنود والاسرائيليين المدنيين معا. في الاسبوع الماضي كان يجب أن يعقد في مبنى الكنيست مؤتمر “الخليل اولا” الذي يتناول الحاجة الفورية لاخلاء المدينة، بقيادة عضوة الكنيست ميخال روزين (ميرتس) ودوف حنين (حداش) ورئيس القائمة المشتركة أيمن عودة. رئيس الكنيست من الليكود عارض وتم الغاء المؤتمر. ومثلما في الخليل، اليمين وممثليه في الكنيست يعملون بتفويض وهمي وخطير. “قليلة هي الحالات في تاريخ اليهودية التي فيها مجموعة مضطربة كهذه تأخذ لنفسها تفويضا باسم الاله”، كتب عن نشطاء غوش ايمونيم رئيس الحكومة اسحق رابين في كتابه “مذكرات خدمة”.
ما كان يجب عمله في ايام ما بعد المذبحة التي نفذها باروخ غولدشتاين في الحرم الابراهيمي، يجب اصلاحه على الفور: بدلا من الانتظار لـ “صفقة القرن” يجب احباط مؤامرات حكومة المستوطنين لتحويل الخليل الى عاصمة للاحتلال الاسرائيلي الى أبد الآبدين، بكل السبل. في اليمين قالوا طالما أن الاحتلال قائم وفي قلب الخليل فان اليسار سيواصل الاحتضار والديمقراطية والسلام ايضا كذلك. السؤال هو هل سيفهم اليمين أنه من اجل العيش عليه أن يقتلع من قلبه الخطر الحقيقي الذي يهدد استمرار وجوده ومستقبل الدولة، أو أن يواصل هجر الساحة لنشاطات حكومة المستوطنين.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف