على الرغم من أنّ التقدير الإستراتيجيّ الرسميّ لكيان الاحتلال الإسرائيليّ حدّدّ أولوية أعداء الدولة العبريّة، حيث وضع حزب الله اللبنانيّ في المرتبة الأولى، وإيران في المرتبة الثانيّة، وحركة حماس في فلسطين في المرتبة الثالثة، وذلك في العامين الأخيرين 2017-2018، إلّا أنّ مُتابعة وسائل الإعلام العبريّة وتصريح قادة تل أبيب تؤكّد وجود نقاشٍ حامي الوطيس بين أركان الاحتلال حول مُستقبل دولة الاحتلال، وفيما يتعلّق أيضًا بالأعداء، الذين يُشكّلون خطرًا إستراتيجيًا على أمنها القوميّ.
وفي هذا السياق، تُعتبر أقوال الجنرال يائير غولان النائب السابق لرئيس هيئة الأركان الإسرائيليّة، أنموذجًا للصراع الدائر لدى صُنّاع القرار في تل أبيب، وتحديدًا بعد تصريحه الأخير بأنّ مصير إسرائيل يتحدّد في غزّة ورام الله وطولكرم وليس في بيروت أوْ دمشق أوْ طهران، بحسب تعبيره.
وأضاف غولان في مؤتمرٍ عُقِد في القدس الثلاثاء تحت عنوان “حقائق جديدة في شرق البحر الأبيض المتوسط”، إنّه في حين أنّه من المُشجّع رؤية العلاقة المستمرة والمتطورة بين إسرائيل ودول الخليج، يجب أنْ نكون حذرين للغاية فيما يتعلق بدول الخليج، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّ المجتمعات الخليجيّة تمتلك قيمًا مختلفةً تمامًا عن إسرائيل. وزعم أيضًا فيما يتعلّق بمرتفعات الجولان السوريّة المُحتلّة، بأنّ لإسرائيل فرصةً إستراتيجيّةً لجعل الوجود الإسرائيليّ هناك دائمًا، وهو أمر حاسم لأمن إسرائيل، طبقًا لأقواله.
وانتقد جولان، ضعف النمو الاستيطانيّ في المرتفعات المحتلة وقال إنّ وجود 7000 مستوطن فقط هناك هو عار، وأضاف أنّه يجب إقامة مدينة من 20.000 إلى 25.،000 شخص في الجولان في السنوات العشر القادمة.
وتابع قائلاً، كما أفادت صحيفة (هآرتس) أنّ لإسرائيل ثلاث مصالح رئيسيّة تتعلّق بالجبهة السوريّة: الأولى إبقاء الحدود هادئة، وهو أمر يمكن لإسرائيل أنْ تؤثر عليه، والثانية منع نقل المزيد من الأسلحة المعقدة عبر سوريّة إلى حزب الله، وهو أمر يمكن لإسرائيل أنْ تؤثر فيه ولكن لا تعترضه تمامًا، وأخيرًا تقليل التواجد الإيرانيّ في سوريّة، وهو أمر تملك فيه إسرائيل تأثيرًا قليلاً، وأنّ مِنْ مصلحتها توثيق العلاقة مع الروس الذين يزعم أنّهم هم مَنْ يُحدّدون الشكل النهائيّ للوضع في سوريّة وموضع التأثير الإيراني فيها.
وقال: نحن بحاجةٍ إلى وجود الولايات المتحدة في المنطقة، خاصّةً في العراق وفي الجزء الشماليّ الشرقيّ من سوريّة قدر المستطاع، مُشيرًا إلى أنّه مع الوجود الأمريكيّ هناك، والدعم الأمريكيّ للأكراد يُمكننا بطريقةٍ ما تخفيف التأثير الإيرانيّ في المنطقة.
وفيما يتعلق بلبنان قال غولان أن إسرائيل بحاجةٍ لإقناع العالم بأنّ الحكومة اللبنانيّة تتحمّل بعض المسؤولية عمّا يحدث مضيفًا أنّه من غير المقبول أنْ يُوافِق العالم أنّ حكومة ذات سيادة لا تتحمّل مسؤولية عن الأنشطة التي تحدث في أراضيها.
وشدّدّ الجنرال غولان على أنّ الحرب المستقبليّة مع حزب الله، ستكون مُروّعةً، وإنّها على حدّ زعمه، ستمنح إسرائيل فرصةً لهزيمة المشروع الإيرانيّ، وأضاف أنّ هذا شيئًا يجب أنْ تُركّز عليه إسرائيل، والقيام به بشكلٍ حاسمٍ في أيّ صراعٍ مُستقبليٍّ، وفق تعبيره.
ووفقًا لغولان، فإنّ الأكراد في سوريّة والعراق هم كيان جديد ذو سيادة في المنطقة، وعنصر معتدل، داعيًا تل أبيب لتوسيع العلاقات معهم قدر الإمكان، وهذا أيضًا أمر من شأنه أنْ يُساعِد في تخفيف تأثير إيران، على حدّ زعمه.
وفيما يتعلّق بالقضية الفلسطينيّة، أكّد الجنرال غولان على أنّ مقاربة إسرائيل للمسألة يمكن تلخيصها على أنّها مُنقسِمة بين من يؤيدون الانفصال عن الفلسطينيين، وأولئك الذين يؤيدون ضم المناطق، أيْ الضفّة الغربيّة المُحتلّة.
وقال إنّ التوتر بين هذين المنهجين يُحدِّد الكثير من النزاعات الإسرائيليّة الداخلية، وتابع: ربمّا لا يكفي مجرّد إدارة النزاع أوْ معالجته في المستقبل، وعندما أنظر إلى المستقبل، ينبغي على إسرائيل أنْ تُحدِّد رأيها، ماذا تختار؟ إلى أين نتجه من أجل تثبيت الوضع؟، مشيرًا في الوقت عينه إلى أنّ أهّم تهديدٍ خارجيٍّ يُواجِه إسرائيل يأتي من إيران ووكلائها، زاعما أنّ لدى دولة الاحتلال جميع الأدوات المُمكنة للتعامل مع هذا التهديد. والتحدي الثاني هو الذي يفرضه الفلسطينيون، مؤكّدًا أنّ تأثير هذا التهديد لا يقتصر على الأمن فحسب، بل أيضًا على شيءٍ من شأنه أنْ يُحدِّد طبيعة ومستقبل إسرائيل. واختتم حديثه بالقول: أعتقد أنّ مصير إسرائيل سوف يتحدّد أكثر في غزة ورام الله والقدس، أكثر منه في طهران ودمشق وبيروت، على حدّ زعمه.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف