العملية الاسرائيلية للعثور على الانفاق على الحدود اللبنانية تدخل الآن الى المرحلة الثانية. بعد الاعلان المفاجيء عن اكتشاف الانفاق والحملة الاعلامية ضد حزب الله ينتقل الجيش الى تفتيش منهجي في منطقة الحدود. حتى الآن تم الابلاغ عن اكتشاف نفقين في الاراضي الاسرائيلية وتم ابلاغ الامم المتحدة عن موقع نفق ثالث في الجانب اللبناني من الحدود. في الساحة السياسية اللبنانية يبرز الصمت الطويل لحزب الله – والى جانبه الاحراج الذي اثارته القضية في اوساط باقي مراكز القوة في الدولة.
التقدير الاولي في الجيش الاسرائيلي والذي بحسبه كان سيقتضي الامر شهر لانهاء العملية، من شأنه أن يتضح بأنه متفائل جدا. اكتشاف الانفاق صحيح أنه يجري بالوتيرة المخطط لها، لكن ربما أن تدمير مسارها سيستمر أكثر مما قدر في البداية. في الجيش قدروا أن حزب الله سيمتنع عن الرد العسكري المباشر طالما أن الانفاق يتم اكتشافها وتدميرها في الاراضي الاسرائيلية. وطالما أنه لا يوجد مصابين في اوساط نشطائه نتيجة للنشاطات الاسرائيلية. الخطر الاساسي في هذه الاثناء يتعلق بتدهور الاحداث المحلية الى تصعيد اكبر، حتى بدون أن يسعى الطرفين الى ذلك. في يوم السبت اطلقت قوة الهندسة في الجيش الاسرائيلي نار تحذيرية على اهداف مشبوهة، كما يبدو رجال مراقبة من حزب الله اقتربوا من منطقة العمل على الحدود.
الى جانب اكتشاف وتدمير الانفاق فان اسرائيل تريد استغلال هذا الكشف والنشر العلني من اجل هدفين. الاول، استغلال المعركة الاعلامية ضد حزب الله في الساحة الدولية. والثاني، تسريع العمل في اقامة سور جديد في النقاط المختلف عليها في مسار الجدار، في منطقة المنارة – مسغاف عام وشرقي رأس الناقورة.
رئيس الاركان آيزنكوت التقى أمس في مكتبه مع قائد قوة اليونفيل التابعة للامم المتحدة في جنوب لبنان، الجنرال الايطالي ستيفاني دلكول، وقال له إن حفر الانفاق يعتبر خرقا لقرار 1701 الصادر عن مجلس الامن في نهاية حرب لبنان الثانية.
الجيش الاسرائيلي أعد ملف استخباري عن كل نفق، وفيه معطيات "تدين حزب الله" بخرق قرارات الامم المتحدة. اسرائيل تريد استخدام الخرق من جانب حزب الله كمبرر لمواصلة عملها في اقامة الجدار، الذي حتى الآن سار بشكل بطيء في المناطق المختلف عليها، ايضا خشية من رد حزب الله الشديد.
في الوقت الذي يجري فيه في اسرائيل نقاش حول اهمية اكتشاف الانفاق، وتظهر ادعاءات بأن رئيس الحكومة نتنياهو والجيش الاسرائيلي قاموا بتضخيم كشف معلوماتي هام أهميته العملية محدودة الى درجة وصفه بالعملية، فان رئيس الاركان يعطي لهذا الحدث أهمية كبيرة. آيزنكوت وصف في محادثات مغلقة الانفاق باعتبارها العامل السري المفقود في خطة هجوم حزب الله على طول الحدود في حالة نشوب حرب. حسب رأيه فان نقل عشرات وحتى مئات المقاتلين في هذه الانفاق كان يمكن أن يتسبب بأضرار، وربما تزيد عن الضرر المتوقع من عشرات الصواريخ الدقيقة التي توجد حسب تقديره لدى حزب الله. "الجهود الاسرائيلية لمنع تهريب السلاح الدقيق من سوريا الى لبنان منعت حتى الآن تجميع صواريخ دقيقة بأعداد أكبر".
زعيم حزب الله، حسن نصر الله، امتنع حتى الآن عن التطرق العلني لاكتشاف الانفاق. في نهاية الاسبوع قال نائبه، الشيخ نعيم قاسم، إنهم في اسرائيل غير واثقين تماما بأنه كان يعرف عن عملية حفر الانفاق لأنه توجد لدى منظمته صواريخ يمكنها اصابة أي موقع في اسرائيل – هذا وصف للوقائع ليس فيه أي جديد. رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، كرر التزام بلاده بالقرار 1701، لكن في هذه الاثناء لم يقم بزيارة المنطقة الحدودية مع اسرائيل ولم يتطرق الى الازمة. الحريري قام بالغاء زيارته المخطط لها الى فرنسا على خلفية الوضع الامني (موجة المظاهرات الكبيرة) هناك، دون أن يذكر على الاطلاق الوضع الامني الجديد الذي تطور على حدود بلاده الجنوبية. معركة الدعاية التي تديرها اسرائيل ضد حزب الله وحكومة لبنان هي جزء من جهود سياسية متواصلة هدفها التضييق على خطوات حزب الله وايران في الجبهة الشمالية. زيارة نتنياهو الى المطلة في الاسبوع الماضي والتصريحات الاسرائيلية الكثيرة حول كشف الانفاق، تكمل العملية التي هدفها ردع حزب الله ومنع تطوير قدراته العسكرية.
الصراع على الشرعية، على جوانب القانون الدولي التي تكتنفها، سيحتل مكان واسع في أي حرب يمكن أن تنشب في لبنان مستقبلا. في تشرين الاول الماضي نشرت منظمة "جنسا" – المعهد اليهودي لقضايا الامن القومي في الولايات المتحدة، الذي يضم شخصيات كبيرة متقاعدة من الذراع الامني الامريكي – تقريرا مفصلا حول هذا الموضوع. وفد من قبل المنظمة ضم ثلاثة جنرالات كبار سابقين، تجول في البلاد والتقى مع شخصيات بارزة في المستوى السياسي ومع قيادة الاركان والنيابة العسكرية.
التقرير الذي عنوانه "تحديات عملياتية وقانونية في الحرب القادمة لاسرائيل في الشمال" قالوا إنه اذا نشبت حرب في الشمال فهي لن تشبه على الاطلاق بطابعها المواجهات التي شهدتها اسرائيل في السابق. وقد توقعوا أن حرب كهذه ستتسبب بمستويات غير مسبوقة من الدمار والموت، في الطرفين. حسب اقوالهم فقد حدث تطور بارز في القدرات العسكرية لحزب الله بعد سبع سنوات شارك فيها مقاتلوه في الحرب الاهلية السورية، ولكن لا يوجد لحزب الله أوهام بأنه يستطيع الانتصار على الجيش الاسرائيلي في ساحة الحرب. هدفه، كما يعتقدون، هو تحقيق انتصار سياسي.
حزب الله ينوي تحقيق ذلك بواسطة مخاطرة متعمدة بحياة المواطنين في لبنان (الذين يستخدمهم حزب الله على الاغلب كدروع بشرية)، مبرر للرواية بشأن احداث الحرب واستغلال أخطاء المجتمع الدولي في فهم قوانين الحرب. حسب اعضاء "جيسا" فان حزب الله وإيران سيتطلعون اثناء الحرب الى عرض اسرائيل كـ "قاتلة للمدنيين وغير اخلاقية"، هدفهم سيكون المس بالشرعية الدولية لاسرائيل بمواصلة القتال، حتى قبل أن يتمكن الجيش الاسرائيلي من ترجمة تفوقه العسكري الى انتصار في ساحة الحرب.
حسب اقوالهم فان الحرب القادمة في الشمال ستجري ليس فقط بواسطة الدبابات والصواريخ، بل ستكون ايضا حرب معلومات، ستحسم لدى الرأي العام الدولي بصورة لا تقل عما هي الحال في ساحة الحرب. حسب رأيهم، اسرائيل تبذل احيانا جهود أكثر مما يقتضيه منها القانون الدولي من اجل حماية مواطني العدو. ولكن في الوقت الحقيقي، تتردد وتتأخر في عرض المعلومات التي يمكن أن تثبت ادعاءاتها. النتيجة، كتبوا، سواء في حرب لبنان الثانية في 2006 أو في عملية الجرف الصامد في قطاع غزة في 2014، اسرائيل خسرت في حرب جمع المعلومات أمام أعدائها.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف