كيف يمكن أن تحب بهذا القدر شخص مواقفه تعبر عما فعله باليسار الصهيوني؟ كيف يمكن أن تحب بشكل كبير صهيوني متشبع جدا ومليء بالثقة المتقدة بصدق الصهيونية؟ كيف يمكن أن تحب شخص متفائل جدا الى درجة يصعب اصلاحها؟ كيف يمكن أن تحب الوجه الجميل جدا للدولة الذي دمروه في العالم الى درجة التضليل؟ كيف يمكن أن تحب شخص مصقول جدا، كل جملة يقولها تظهر وكأنها أخذت من كتابه الاخير؟ كيف كان يمكن أن نحب كثيرا عاموس عوز، ولكن لم يكن بالامكان أن نحبه بهذا القدر؟.
السر كان يوجد في شخصيته، في صورته الآسرة، في تواضعه المدهش، في سحره. كل لقاء معه كان يعتبر تجربة تحبس الانفاس، كل مكالمة هاتفية – حتى الاخيرة التي أكد فيها بأنه بعد انخفاض حرارته سنعود ونلتقي – كانت تبعث على الأمل. عندما أحضرت له مسودة لخطاب من خطابات شمعون بيرس كي يبدي ملاحظته عليها، في عيد الغفران في العام 1993 عندما ذهبت في اعقاب "قصة عن الحب والظلام" الى البيت في شارع بن يهودا 175، الذي كانت تعيش فيه خالته، ومن هناك الى زقاق يفيه نوف، مثل الرحلة الاخيرة لوالدته قبل انتحارها وحتى وجبة العشاء في العام 2010 مع أ. ب يهوشع، ماريو فاركس يوسا وهو يخمن أن أحدهما سيحصل على جائزة نوبل. بعد بضعة اسابيع من ذلك فاركس يوسا فاز بها – من كل لقاء معه بقي شيء ما لا يمكن نسيانه.
اسرائيل ستكون دولة مختلفة بدونه. وهذا لن يحدث على الفور. ولكن فجأة سنكتشف أنه من الدولة التي اعتقدنا أنها جميلة وعادلة لم يبق أي شيء، وأننا بقينا فقط مع ميري ريغف، ترامبية صغيرة، لكن من الجانب هي تضيء عدة مصابيح قديمة، ترسل الاضواء القليلة نحو الظلام السائد. الآن خفت ضوء المصباح. دائما عرفنا أنه في النهاية يوجد لنا عاموس عوز، والآن لم يعد موجودا.
قبل بضعة اشهر اعطاني صورة عن رسالة كتبها يشعياهو ليفوفيتش لمحررة "دافار"، حنه زيمر: "أنا قريب من رأي عاموس عوز بأن سيطرة الاحتلال على المناطق وعلى 1.5 مليون عربي مستعبد ستدمر الشعب والدولة – ستفسدنا كيهود وكبشر، من ناحية قومية واجتماعية وانسانية واخلاقية على حد سواء. وسنصبح أوديسا الاسرائيلية، المحكوم عليها التفكك والفناء". التاريخ: 8/9/1967، ثلاثة اشهر بعد حرب الايام الستة. عوز إبن الـ 28 سنة كان النبي عاموس.
النبي عاموس في 1989: "عصابة مسيحانية، منغلقة ومتوحشة، ظهرت من داخل زاوية مظلمة في اليهودية وهي تهدد بتخريب كل ما هو عزيز ومقدس لدينا، وأن تفرض علينا عبادة الدم المتوحشة والمجنونة... نابلس والخليل هي فقط وسائل، فقط محطات في طريق لفنغر وكهانا للتخلي عن الرؤية المجنونة لتل ابيب والقدس وامثالها". والنبي عاموس في نفس الخطاب قال "اذا لم تهبا – يا سيد شمير ويا سيد رابين - وتقوما بالدعوة الى القتل، فأنتما ايضا لن تكونا محصنين من رصاص القاتلين".
عاموس عوز لم يكن محقا في كل اقواله. لقد آمن أن اليهود والفلسطينيين يجب أن ينفصلوا (يتطلقوا حسب تعبيره)، وتعامل بصورة متناظرة مع الشعبين، تناظر لم يوجد في أي يوم لدى الجميع. في احدى المحاضرات الاخيرة التي تحولت الى عدوى مع أكثر من 100 ألف مشاهدة في اليو تيوب، هاجم حل الدولة الواحدة، الذي تبناه افضل اصدقاءه أ.ب يهوشع، وقال إنه لن تكون في أي يوم دولة ثنائية القومية، بل دولة عربية فقط مع أقلية يهودية. وهو ايضا هاجم في تلك المحاضرة اوصاف الابرتهايد التي اطلقتها أنا. آخر الصهاينة الاخلاقيين لم يكن يستطيع أن يصدق بأن الوضع خطير جدا لا يمكن اصلاحه. عوز كان آخر الصهاينة الاخلاقيين.
بالضبط مثلما آمن في الاسبوع الماضي بأننا سنشرب القهوة معا – "القهوة أصبحت جاهزة" – كما أنه آمن بأن البلاد ستقسم. هذان أمران لم يتحققا. ويبدو أنهما لن يتحققا أبدا، وهذا محزن جدا.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف