هآرتس – بقلم جدعون ليفي – 4/1/2019
الارض هنا تروي القصة. حقول الحبوب الملونة باللون الاخضر الآن، على خلفية اللون البني الغامق للارض الخصبة، جفاف الصيف الذي استبدل بوحل الشتاء. هذه الارض فيها ندوب، الحقول الرائعة تم دوسها بجنازير الدبابات، تحفر اخاديد بنية تجرح خضرة القمح والشعير وتدمر المحاصيل.
هذه حقول خربة ابزك، تجمعات رعاة تقع في شمال تياسير في شمال غور الاردن، اراضي خاصة يعيش فيها فلاحون فلسطينيون ورعاة بدو يربون الاغنام ويفلحون الارض التي تعود لسكان طوباس الواقعة على قمة الجبل.
اسرائيل التي تضع عينها على اراضي الغور وتعمل كل ما في وسعها من اجل افراغها من سكانها الاصليين، اختارت التنكيل بالتجمعات الاضعف في البداية. رعاة الاغنام والفلاحين الذين استأجروا الاراضي، الفلسطينيون والبدو، هؤلاء يمكن طردهم من بيوتهم ومن اراضيهم، لو بصورة مؤقتة من خلال التلويح بأمر عسكري في ظل الاحتياجات الامنية وتدريبات وهمية لاخلائهم وطردهم المرة تلو الاخرى. هل قام الجيش الاسرائيلي في يوم ما اخلاء سكان بؤرة استيطانية من أجل أن تستطيع قواته التدرب في حقولها؟ هل كان هناك شخص ما خطر بباله اخلاء عشرات عائلات من المستوطنين ليوم وتركهم تحت قبة السماء الى أن تنتهي مناورة للجيش الاسرائيلي؟ هل سكان المستوطنات القريبة، بكعوت، مسخيوت، مخورا وروعي، اضطروا ذات يوم الى الخروج من بيوتهم ليوم واحد من اجل السماح لجنود الجيش بالتدرب على اراضيهم وعند عودتهم وجدوا بيوتهم هدمت بجنازير الدبابات؟ الابرتهايد الذي يترسخ هنا يبقي حقائق على الارض. ليس هناك مثل الغور من اجل اثبات وجوده الفظ، العنيف، الوقح والمتبجح، الذي لا يدع مجال للشك أو النقاش حول وجود نظام الابرتهايد. تجمع خربة ابزك هو مثل تجمع السود، مسموح أن نفعل به ما نشاء. اخلاءهم من بيوتهم مع اطفالهم وشيوخهم بتعليمات من الضابط، والانقضاض على حقولهم وكأنها ارض لا صاحب لها. في الشهر الاخير تم أمر سكان خربة ابزك بترك الخيام 4 – 6 مرات، 13 عائلة، 70 نسمة، فيها 38 طفل، طلب منهم النوع عدة ليال خارج بيوتهم في ايام 16 و23 و26 و31 كانون الاول. لعائلتين من الـ 13 عائلة تم تسليم اوامر اخرى لطردهم ايضا في 17 و18 من ذاك الشهر.
نكبة متواصلة
هذا الاسبوع وصلنا الى خربة ابزك في اليوم الذي فيه كان مخطط تنفيذ الاخلاء الاخير للعام 2018. في الليلة السابقة اتصل شخص باسم يغئال من الادارة المدنية وأبلغ احد السكان بأن هذا الاخلاء تم الغاءه، لكن ربما سيكون هناك اخلاء يوم الاحد القادم. مختار السكان البدو في المنطقة، عماد خروب تركمان، ظهر هذا الاسبوع ساخرا عندما جئنا الى خيمته الزرقاء والتي كتب عليها كلمة مختار.
ولكن السرور هنا لم يكن في أي يوم كامل. تركمان يخشى من احتمال أن بلاغ الالغاء هو بلاغ كاذب وأن الجنود سيحضرون لاخلائهم رغم ذلك. عدم اليقين كبير جدا هنا. الساعات مرت في يوم الاثنين، والشمس كانت في أعلى السماء، ولم يظهر جنود الجيش في خط الأفق. الصور والافلام عن الاخلاءات السابقة، الاخيرة بينها الاسبوع الماضي التي وثقت من أحد باحثي بتسيلم، عارف ضراغمة، من سكان المنطقة، تروي القصة. السكان يظهرون فيها وهم يسيرون بصمت في طابور. جيبات الجيش والادارة المدنية يرافقونهم ويدفعونهم من الخلف كي لا يتملصوا، لا سمح الله. هذه صور ليس بالامكان أن لا تذكر بصور النكبة في العام 1948، النكبة التي لم تنته هنا في أي يوم.
اصل عائلة المختار تركمان هو من قرية قرب حيفا. قال. في فيلم الفيديو عن الاخلاء الاخير تظهر المدرعات الاسرائيلية وهي تقتحم الحقول المزروعة لتجمع الرعاة وتدمرها تحت جنازيرها. الباحث ضراغمة قال إن تجمعات الرعاة في شمال الغور أمروا باخلاء خيامهم على الاقل مئة مرة في السنوات الخمسة الاخيرة. الاخلاء القصير جدا كان لخمس ساعات والاطول 24 ساعة.
الطريق الوحيدة التي تؤدي الى هنا هي طريق ترابية طويلة ومتعرجة، تخرج من بلدة تياسير، هذه الطريق فيها الوحل وبرك مياه الامطار التي تجمعت هذا الاسبوع في عدة مقاطع منها واصبحت موحلة. السكان بالتأكيد يخافون من الوصول الى هنا بسياراتهم لأن رجال الادارة المدنية والجيش يمكن أن يصادروا سيارات التندر والجيبات مثلما حدث اكثر من مرة في السابق.
تركمان قال إن 13 تراكتور وسيارة تندر صودرت هنا في السنوات الاخيرة بذريعة أنها دخلت الى منطقة عسكرية مغلقة. بشكل عام هم يستعيدون سياراتهم بعد بضعة اشهر ودفع غرامة تتراوح بين 1500 – 2500شيكل، لذلك هم يعيشون احيانا في عزلة كاملة، دون وجود أي وسيلة للمواصلات. المياه يجب عليهم احضارها بواسطة الصهاريج من مسافات بعيدة، ايضا الاتصال مع الكهرباء غير موجود بالطبع، وفي ظل غياب وسائل المواصلات، كل رد في حالة الطواريء لاخلاء مريض أو امرأة حامل من اجل الولادة، تحول الى امر معقد وضئيل. احيانا يخبئون التراكتورات بين الصخور حتى لا تصادر، احيانا يضعون مراقبين في الطريق من اجل التأكد من عدم وجود قوات الجيش أو رجال الادارة في المنطقة، وعندها يقومون بتهريب صهريج للمياه مجرور بواسطة التراكتور.
تركمان يجلس حافي القدمين في الخيمة، المدفأة بمدفأة حطب، تخرج منها المدخنة. اغنامه تقف مكتظة في الحظيرة المجاورة، عمره 42 سنة وهو أب لستة اولاد، ابنه البكر ارسله الى جنين للعمل في البناء، عائلته، قال، اخليت بصورة مؤقتة 40 مرة في السنوات الخمسة الاخيرة.
المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي قال هذا الاسبوع للصحيفة إن الامر يتعلق بـ “منطقة تدريبات للجيش الاسرائيلي منذ سنوات كثيرة، وعند اعلانها كمنطقة عسكرية مغلقة لا يعيش فيها أحد”. وجاء ايضا أنه في شهر كانون الاول أجريت في المكان تدريبات بالنار الحية لغرض تأهيل الجيش الاسرائيلي وزيادة استعداده. ووفقا للاجراءات ومن اجل عدم تعريض حياة أحد للخطر من الاشخاص الذين اقتحموا منطقة النيران بصورة غير قانونية، أعطي انذار مسبق لمن يمكثون في منطقة النيران من اجل الخروج منها في الفترة الزمنية التي تجري فيها التدريبات.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف