رجل اقتصاد يعمل في شركة استشارات دولية تقدم خدماتها لوزارات في الحكومة السعودية، ابلغنا هذا الاسبوع عن الفجوة بين الخطط الكبيرة التي اعلن عنها ولي العهد محمد بن سلمان وبين تنفيذها الفعلي. “لو كان يجب أن أقدر معطيات اليوم احتمالات تنفيذ كل هذه الخطط لكنت سأقول إنه بدلا من “رؤيا 2030” (كما سمي الاصلاح الاقتصادي – الكاتب) فمن الافضل التفكير بشأن “رؤيا 2050″، هذا اذا اردنا وضع رؤيا”.
السبب حسب اقواله هو أنه غير واضح من أين ستأتي المليارات المطلوبة لتنفيذ هذه الخطط، التي تشمل ضمن امور اخرى اقامة مدينة المستقبل “نيوم” التي ستمتد على ثلاث محافظات. ليس واضحا ايضا من أين سيتم تجنيد قوة سعودية مدربة، التي يريد ولي العهد تشغيلها في هذه المشاريع.
حسب المعطيات العلنية، حجم الاستثمارات الاجنبية في البورصة السعودية، انخفض من 5.07 في المئة في ايلول الى 4.7 في المئة في تشرين الثاني 2018 – هذا المنحى يتواصل. من خلال ترجمة ذلك الى اموال، فان الانخفاض هو بمعدل 1.9 مليار دولار. صحيح أن الحديث لا يدور عن كارثة مالية، لكن مقارنة مع حجم الاستثمارات في البورصة في 2008 والذي بلغ 39.5 مليار دولار، يبدو أن المملكة تفقد سحرها في نظر المستثمرين الذين يبحثون عن اسواق مالية جديدة، وكما يبدو آمنة وواعدة أكثر.
السببان الرئيسيان في ذلك هما قتل الصحافي جمال الخاشقجي واطالة مدة الحرب في اليمن، اضافة الى عدم اليقين بخصوص مكانة محمد بن سلمان، القاطرة التي يتوقع أن تسحب قطار التطوير الضخم. الملك سلمان يدرك جيدا كما يبدو الضرر الذي تسبب به إبنه في قضية الخاشقجي، لذلك قرر تعيين ابراهيم عساف وزيرا للخارجية بدلا من عادل الجبيري المتماهي مع الحملة الدعائية الفاشلة للمملكة في هذه القضية. عساف محسوب على الطبقة المسنة من مقربي النظام. هو صاحب تجربة كبيرة في ادارة العلاقات الدولية، ومعروف جيدا في مؤسسات التمويل، وتعيينه يمكن أن يدل على أن المملكة ليست غير مبالية بالعاصفة الدولية. عساف كان ايضا من بين المعتقلين الكثيرين الذين اعتقلوا في نهاية 2017 في فندق ريتس كارلتون بأمر من محمد بن سلمان، من أجل ابتزاز مليارات الدولارات منهم مقابل ما اعتبره استغلال موارد الدولة لمصالحهم الشخصية. عساف تم اطلاق سراحه بدون توجيه اتهام ودون أن يضطر مثل الآخرين الى التخلي عن امواله.
ولكن تعيينات جديدة، التي تشير بشكل عام الى الخلافات الداخلية حول ادارة الدولة، لا يمكنها وحدها احداث الاصلاحات، التي تهدف الى تنويع مصادر الدخل للسعودية وفروع التشغيل فيها وتقليص اعتمادها على النفط.
أحد مراكز القلق المزمنة هو البطالة في اوساط السعوديين، التي حسب الرؤيا يجب أن تنخفض الى 9 في المئة خلال سنتين. في هذه الاثناء هي تستمر في الارتفاع ووصلت الى 12.9 في المئة والى 30 في المئة في اوساط الشباب. قبل بضع سنوات بدأت الحكومة في تطبيق خطة سعودة العمل، التي بحسبها تم الاملاء على المشغلين حصة العمال السعوديين الذين عليهم تشغيلهم الى جانب العمال الاجانب. إن عدم الايفاء بهذه الحصة، جرت غرامات عالية وحتى تهديد بالغاء تصاريح تشغيل الاجانب لمن يشذ عن التوجيهات.
ولكن تبين أنه رغم التعليمات والانتقاد، إلا أن مشغلين كثيرين لم يجدوا بديل محلي عن قوة العمل الاجنبية، حتى عندما تم طرح شروط افضل. قبل نحو سنة ونصف دخل الى حيز التنفيذ أمر يلزم كل مشغل بدفع 27 دولار شهريا كضريبة عن كل شخص من عائلة العامل الاجنبي. زيادة عبء الرسوم على ادخال العمال الاجانب أدت الى مغادرة مليون وربع عامل اجنبي المملكة منذ بداية العام 2017. ولكن في موازاة ذلك اضطر مشغلون كثيرون الى اغلاق جزء من مصالحهم التجارية لأنهم لم ينجحوا في تجنيد عمال سعوديين بتكلفة معقولة. نتيجة لذلك فان تشغيل العمال السعوديين أضر بسعودة العمل بحجم اماكن العمل واحتمالات نمو القطاع الخاص – الذي يعتمد عليه ولي العهد عند تخطيطه لمصادر التمويل لخططه الاقتصادية.
الآن يفحصون في المملكة خفض هذه الرسوم وحتى الغاء جزء منها من اجل تشجيع النمو على حساب تشغيل المواطنين السعوديين. إن التناقض في النضال ضد البطالة وجد تعبيره في الاعلان الحكومي عن نيتها في سعودة العمل في خمسة فروع انتاج وصناعة اخرى منها المعدات الطبية وقطع غيار السيارات والاتجار بمواد البناء وصناعة السجاد ومتاجر الحلويات. صحيح أنه في الفروع التي لا تحتاج الى خبرة كبيرة، يمكن ايجاد عمال محليين، لكن الأجور والحقوق الاجتماعية التي يفرض القانون منحها لهم يمكنها أن تمنع تشغيلهم. وبذلك يؤدي ذلك الى اغلاق المزيد من المصالح التجارية والمصانع الصغيرة.
تأرجح سياسة التشغيل تدل ايضا على فشل خطة تنويع مصادر دخل الدولة بعد أن تبين بأن نشاط السوق السعودية (بدون النفط) سجل هذه السنة على أنها الاسوأ منذ ثماني سنوات. ميزانية الدولة التي تمت المصادقة عليها في كانون الاول الماضي بمبلغ 295 مليار دولار، هي حقا الاعلى في تاريخ الدولة – لكنها تتجاوز بـ 7 في المئة التوقعات، بالاساس لأنها تشمل التعهد بدفع التعويض عن غلاء المعيشة بمبلغ 300 دولار شهريا لكل موظف حكومي.
ايضا في العام 2019 سيكون النفط هو المصدر الرئيسي لمداخيل الدولة. ورغم ارتفاع بـ 12 في المئة في المداخيل إلا أن هذه النسبة ما زالت بعيدة حوالي 40 في المئة عن الخطة الأصلية. عندما تكون المداخيل غير النفطية منخفضة، بقي أن نرى كيف ستؤثر سوق النفط على مداخيل الدولة، خاصة على خلفية قرار منظمة “الاوبيك” بتقليص الانتاج بـ 1.2 مليون برميل يوميا، من اجل الحفاظ على سعر مرتفع نسبيا – في الوقت الذي في المقابل تعهدت فيه السعودية بجسر الفجوة في الانتاج الذي يمكن أن تحدث نتيجة العقوبات الامريكية المفروضة على ايران.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف