ماذا تفهمون من جملة “الارض موجودة داخل منطقة يهودا والسامرة”؟ قبل الاجابة اريد تقديم ملاحظة استباقية: النقاشات مع الجنود وفيما بينهم توفر كنز فرويدي للباحثين في الكولونيالية الاسرائيلية. خالين من كل مغزى دعائي يكتشف الجنود بدون عوائق، الخرائط التي ترسمها المستويات القيادية في الغرف المغلقة، لكن الأخيرون يعرفون كيفية اخفاءها والتشويش عليها وتغطيتها واخفاء آثار النوايا السياسية لهم انفسهم ولمن ارسلهم.
لن أنسى أبدا في أي يوم اقوال الضابطة الصغيرة من وحدة منسق النشاطات في المناطق التي شرحت لي في 1995 بأنهم لا يعطون للنساء والاطفال في غزة تصريح سنوي للخروج الى الضفة لأنه “لا يوجد لديهم سبب للخروج”. باجابة ساذجة واحدة كشفت نوايا المستوى السياسي، التي تتجسد الآن تقريبا بكاملها: فصل سكان القطاع عن الضفة. وهي ايضا عبرت عن عقلية السجان الاسرائيلي (حيث أن الاطفال العرب، خلافا للاطفال اليهود، يحبون الاستطلاع والمغامرات واثراء الثقافة. لا يجب أن يسافروا فقط لمجرد التنزه من اجل الاستمتاع).
علينا أن نذكر بالخير ايضا الجندي الذي منع نشطاء “تعايش” من اصلاح شارع يوصل الى قرية جنبا في جنوب جبل الخليل. “هنا دولة اسرائيل”، اشار الى مناطق ج الواسعة التي كنا نقف عليها، في شرحه لماذا يتم منع القاء التراب والحجارة الصغيرة الى الحفر (لقد علم النشطاء أنهم لو أحضروا معدات عمل من اجل تسوية الطريق لكان الجنود قد قاموا بمصادرتها). على بعد عشرات الامتار ظهرت الطريق المعبدة الى البؤرة الاستيطانية متسبيه يئير. بسذاجته وصف الجندي لنا الواقع كما هو: في دولة اسرائيل ما يفعلونه لليهود (انشاء البنى التحتية) يمنعونه عن الفلسطينيين.
الآن عودة الى جملة “الارض توجد في مناطق يهودا والسامرة”. أولا، الواضح من الصياغة أن “المتحدث مؤيد للاحتلال، وإلا كان سيقول الضفة الغربية”، تعريف موضوعي تحول الى تعريف تآمري. ثانيا، من الواضح أن القصد هو الـ 5860 كم مربع، التي كانت جزء من المملكة الاردنية حتى حزيران 1967، ومنذ ذلك الحين هي في أيدينا. في شباط 1968 قدم عضو الكنيست اليعيزر شوستك، عضو “المركز الحر” استجواب – احتجاج في الكنيست كتب فيه “وزراء الحكومة، المتحدثون بلسانها وفي اعقابهم وسائل الاعلام يستخدمون مفهوم “الضفة الغربية” اشارة الى المناطق التي تم تحريرها بالحرب من الاحتلال الاردني”. في صياغة استفزازية سأل شوستك رئيس الحكومة في حينه ليفي اشكول عن تفسير هذا المفهوم. هكذا مكتوب في ارشيف الدولة، في تعليق في كانون الثاني 2016. وهنا في 28 تموز 1968 اوردت “معاريف” باختصار أن “لجنة الاسماء الحكومية الواقعة الى جانب مكتب رئيس الحكومة تكرر الاعلان بأنها حددت اسم يهودا والسامرة بما سمي في يوم ما خطأ “الضفة الغربية”.
الآن يتبين أن المنطقة المحررة هذه ليهودا والسامرة قلصت بنحو 140 ألف دونم، وبالضبط في آلة طباعة ضباط الادارة المدنية. في رد على توجه “موكيد”، حسب قانون حرية المعلومات، فصل ممثل الادارة المدنية عن عدد طلبات تصاريح الدخول الى الاراضي الفلسطينية التي تقع خلف جدار الفصل التي تمت المصادقة عليها والتي تم رفضها من 2014 الى 2018. بصورة متعمدة أنا أعود الى الوثيقة المدهشة تلك، التي تفصل فئات الرفض. مثلا، وثائق أو تواقيع ناقصة، الارض صغيرة لا تحتاج الى فلاحة. وضمن امور اخرى، يتم ذكر الذريعة الغريبة “الارض توجد في مناطق يهودا والسامرة” (بمعنى شرقي الجدار). أي نظرا لأنهم يستمتعون باضاعة الوقت والمال على التوثيق الاسرائيلي، فان المزارعين طلبوا من اسرائيل تصاريح للوصول الى مكان ليس بحاجة الى تصريح. بعد تدخل “موكيد” تبين خطأ الادارة المدنية.
ولكن المهم بالنسبة لنا في هذه الاثناء هو وضع المصطلحات الداخلية. التي يمكن أن نفهم منها أن مناطق يهودا والسامرة هي المناطق التي كانت تحت سيطرة الاردن حتى حزيران 1967، منقوص منها المنطقة التي تقع بين جدار الفصل والخط الاخضر. اذا لم تكن يهودا والسامرة – هذا يعني دولة اسرائيل، مثل منطقة اللطرون التي تضم القرى الثلاثة التي دمرناها والتي تم ضمها فعليا منذ زمن. لوبي “اخترق البر والبحر” بالتأكيد لن يحتج على الانتقاص من التراب المقدس الواقع غرب منطقة يهودا والسامرة من اجل أسرلتها فعليا في اسرائيل. الاساس هو أن المزارع الفلسطيني لا يمكنه فلاحة ارضه خلال سنين واشهر، ربما الى أن ينساها.
نعود ونقول إن الذريعة في الصياغة الفرويدية تؤكد ما عرفناه وما تم نفيه: منذ البداية من اقام جدار الفصل عميقا داخل الضفة سعى الى تحويل المنطقة التي تقع غرب الجدار الى منطقة اسرائيلية.
حسب نظام التصاريح المضني الذي اخترعته الادارة المدنية يدور الحديث عن اجراءات ابرتهايد واضحة.
المنطقة التي تقع غرب جدار الفصل هي منطقة فلسطينية، عامة وخاصة. ولكن ممنوع على الفلسطينيين اليها إلا بتصريح خاص، الذي يعطى لفترة قصيرة (نكرر ونبرز: 72 في المئة من اصحاب الاراضي الذين طلبوا تصاريح في 2018، تم رفض طلباتهم!). اصحاب تصاريح الدخول الى اسرائيل لابناء 55 سنة مثلا الذين لا يحتاجون الى تصاريح، ممنوع تجولهم هناك – في الغابات الطبيعية وفي الحقول والبيارات التي زرعها ورعاها آباءهم واجدادهم خلال عشرات السنين. واذا ضبطوا هناك تتم معاقبتهم. اذا من يحق له الاستمتاع بهذه الخضرة دون انتظار التوقيعات المهينة؟ الاسرائيليون فقط، والسياح ايضا. انظروا كيف أن هذا يمر امامنا بصمت.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف