هل بني غانتس هو يساري لأنه تعهد ببذل جهوده من اجل تعديل قانون القومية، أم أنه يميني لأنه أمر بعملية الجرف الصامد الوحشية؟ هل غادي آيزنكوت هو يساري بسبب طبيعة سلوكه في قضية اليئور ازاريا أم أنه يميني متطرف لأنه قام بتشغيل القناصة ضد شباب من غزة تظاهروا امام الجدار؟.
لا يوجد رئيس اركان في اسرائيل لم يتم التنكيل به بعملية محاسبة سياسية قاسية اثناء وظيفته أو بعدها. هذا ما يجري في دولة عسكرية فيها كل رئيس اركان يحمل في جعبته صولجان رئيس الحكومة. في كل المقابلات التي اجراها مع وسائل الاعلام رفض آيزنكوت فكرة انضمامه للسياسة حتى بعد فترة التجميد، لكنه لم يرفض الفكرة تماما. لم تكن هناك مقابلة واحدة لم يسأل فيها عن توجهاته السياسية. لأنه في اسرائيل هذا خيار يمنح بشكل تلقائي لكل رئيس اركان، من اجل تطبيقه في أي وقت يريده، جزء من رزمة التسريح.
يمكن التخمين بأنه بعد ثلاث سنوات سيكون هناك من يريد ضم آيزنكوت لحزبه. ربما سيحثونه على اقامة حزب خاص به بعد خفوت ضوء رؤساء اركان سابقين آخرين مثل غابي اشكنازي وموشيه يعلون وربما غانتس ايضا. النظام السياسي الذي لم يشبع من الامنيين، لن يتنازل عن الزخرفة العسكرية حتى لو تم تعيين رجل الامن في وظيفة وزير التعليم، الداخلية أو الشؤون الاجتماعية.
ولكن تكفي رؤية من يخدمون كوزراء من اجل الاستنتاج أن الخبرة ليست شرطا ضروريا لمنصب الوزير. وحتى ليست ضرورية في مجال الأمن. وزراء دفاع مثل عمير بيرتس وافيغدور ليبرمان وموشيه آرنس وشمعون بيرس وحتى بنيامين نتنياهو، لم يجلبوا معهم رتبة عسكرية مثيرة للانطباع. في المقابل، مشكوك فيه اذا كان شخص ما يرى اليوم في اسحق مردخاي، شاؤول موفاز أو بنيامين بن اليعيزر، جميعهم جنرالات يحملون شهادات، مرشحين مناسبين لمنصب وزير الدفاع.
إن التوق لرئيس اركان في المعركة السياسية يستند الى وهم أن اسرائيل بحاجة الى قائد يرفع الهاتف الساعة الثالثة فجرا وليس الى اعدادها لهذه المحادثة. ولكن ليس رئيس الاركان الذي تحول الى سياسي هو الذي سيتلقى المحادثة أو يحسم مصير الحرب القادمة، بل رئيس الحكومة ورئيس الاركان الذي سيكون يشغل تلك الوظيفة في ذلك الوقت. نصائح رئيس الاركان (الاحتياط) ستكون أصلا مشبوهة بأنها ذات مصالح سياسية، وبأنها تسوية حساب مع رئيس الاركان الحالي، وبالاساس ستعاني من التقادم. كل هذا لا يزعج الجمهور الذي يعتبر نفسه دائما لواء مجند، يريد أن يقوم قائد عسكري مخضرم بقيادته. ما هو جيد للجيش جيد للدولة. في النهاية، الجيش في اسرائيل هو ذلك الذي يقرر من اجل الدولة ما هي قيمها، وهو يعتبر معيار للاخلاق والاخلاص والوطنية. الجيش يغذي نار بوتقة الصهر الاجتماعي، هو يملي ميزانية الدولة وبذلك يحدد ايضا سلم اولوياتها المدني.
هنا يكمن الفخ الذي يغري الكثيرين كي يؤمنوا بأن رئيس الاركان يمكنه أن يصنع للدولة ما ما يصنعه للجيش. اذا كان الجيش الاسرائيلي هو الجيش الاكثر اخلاقية في العالم، فهكذا ستكون ايضا الدولة التي يقف على رأسها، اذا حصل رئيس الاركان على ميزانية كبيرة للجيش فهو سيعرف كيفية ادارة اقتصاد الدولة، واذا كان هو مشغل مرخص ومؤهل لفرن الصهر فانه سيعرف كيفية رأب الصدع في المجتمع. هذا هو نفس الفخ الذي أدى باشخاص للتفكير بأن مدير ناجح لشركة اتصالات يمكنه ادارة حزبه. وأن مراقبة مخيفة تناسب منصب وزيرة الثقافة.
إن الاستعداد لمنح غانتس 15 مقعدا حتى قبل أن يطرح “نموذجه الاقتصادي – السياسي”، وكذلك الشوق لرؤية آيزنكوت في السياسة، تدل أكثر من أي شيء آخر على استخفاف الجمهور بنفسه وعلى الاستعداد للمشاركة مرة تلو الاخرى في التجارب على بني البشر. يبدو أنه عندما يكون الهدف هو ازاحة رئيس الحكومة، يأتي وقت السحرة لاحتلال وقت الذروة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف