مرة اخرى يتكرر اللحن: للفلسطينيين يوجد 22 دولة ولنا نحن المساكين توجد فقط واحدة. بنيامين نتنياهو ليس أول من استخدم هذا الادعاء الخبيث المخادع. الحديث يدور عن احد اسس الدعاية الصهيونية، التي جميعنا رضعناها مع حليب امهاتنا. ولكنه عاد اليه في الاسبوع الماضي: “المواطنون العرب يوجد لهم 22 دولة. هم ليسوا بحاجة الى دولة اخرى”، قال في “ليكود تي.في”.
اذا كان للعرب في اسرائيل 22 دولة فانه للمواطنين اليهود تقريبا 200. اذا قصد رئيس الحكومة بأن العرب يمكنهم الانتقال الى الدول العربية فمن الواضح أن اليهود مدعوين للعودة الى بلادهم الاصلية؛ الفلسطينيون الى السعودية واليهود الى المانيا. نتنياهو ينتمي اكثر للولايات المتحدة من انتماء ايمن عودة لليمن. نفتالي بينيت ايضا سيجد مكانه في سان فرانسيسكو بسهولة اكبر مما يجد احمد الطيبي مكانه في مقديشو. افيغدور ليبرمان ينتمي لروسيا اكثر من انتماء جمال زحالقة لليبيا. عايدة توما سليمان غير مرتبطة بالعراق اكثر من اييلت شكيد التي ولد ابوها هناك. ودافيد بيتان ينتمي للمغرب مسقط رأسه أكثر من محمد بركة.
التفكير أن للفلسطينيين مكان يذهبون اليه، 22 دولة، هو دمج بين الجهل والخبث. في اساسها تقف ادعاءات اليمين بأنه لا يوجد شعب فلسطيني وأن الفلسطينيين غير مرتبطين ببلادهم وأن كل العرب متشابهين. لا توجد اكاذيب اكثر من ذلك. الحقيقة البسيطة هي أنه يوجد لليهود دولة وللفلسطينيين لا يوجد.
الفلسطينيون هم الاولاد غير الشرعيين للعالم العربي. لا توجد دولة تريدهم، ولا توجد دولة عربية لم تخنهم. حاولوا أن تكونوا فلسطينيين في مصر أو في لبنان. مستوطن اسرائيلي من ايتمار مرغوب فيه اكثر في المغرب من فلسطيني من نابلس. توجد دول عربية فيها عرب اسرائيل، فلسطينيو 48، يعتبرون اكثر خيانة من اليهود. اللغة المشتركة والدين وحتى عدد من المظاهر الثقافية، لا تعني هوية قومية. عندما يلتقي الفلسطيني مع بربري ينتقلان للتحدث بالانجليزية. وحتى حينها ليس هناك الكثير من الامور المشتركة بينهما.
ولكن الاقتراح لعرب اسرائيل بالانتقال الى الـ 22 دولة هو اقتراح رخيص ونذل، اكثر من الامور اللغوية. هو يعرضهم كضيوف آنيين. يشكك بعمق علاقتهم ببلادهم ويعرض عليهم الذهاب من هنا. الامر المدهش هو أن من يقترحون هذا الاقتراح هم مهاجرون وابناء مهاجرين الذين جذورهم في البلاد يجب أن تجتاز اختبار الزمان.
الفلسطينيون مرتبطون بالبلاد ليس اقل من اليهود ويبدو اكثر. مشكوك فيه اذا كانت هستيريا جوازات السفر الاخرى كانت ستتملك الشارع العربي مثلما تملكت الشارع اليهودي الذي فيه تحول الجميع فجأة الى برتغاليين. يمكننا التقدير أنه في تل ابيب يوجد من يحلمون بالهجرة اكثر مما يحلمون بها في جنين. في لوس انجلوس هناك بالتأكيد اسرائيليين اكثر من الفلسطينيين. مئات سنواتهم هنا بلورت الحب للوطن والتقاليد والتراث، لا يوجد مستوطن يقارن بهم. للفلسطينيين يوجد زعتر ولنا يوجد الشنيتسل. ولكن لا يجب التقليل من قوة العلاقة اليهودية بالبلاد من اجل الاعتراف بعمق العلاقة الفلسطينية.
ليس لديهم مكان يذهبون اليه، لعدد من اليهود هنا توجد امكانيات اكثر، وهم لا يريدون الذهاب من هنا، وهذا ليس بالامكان قوله عن عدد من اليهود. اذا كان رغم كل معاناتهم وهزائمهم واهاناتهم لم يغادروا فانهم لن يرحلوا الى الابد. ليته كان بالامكان قول ذلك عن يهود البلاد. هناك شك كبير. الفلسطينيون لن يغادروا إلا اذا طردوا بالقوة. هل لهذا كان رئيس الوزراء يرمز؟ عندما الصحافية الامريكية هيلين توماس اقترحت أن يعود اليهود الى بولندا اضطرت الى الاستقالة؛ عندما رئيس حكومة اسرائيل يقترح نفس الاقتراح على العرب فانه يعبر عن رأي الاغلبية.
منذ بداية ايامها حلمت الصهيونية بطرد العرب من هنا. احيانا هي ايضا قاتلت من اجل ذلك. من نجوا من التطهير العرقي في 1948 والطرد في 1967 والاحتلال والاعمال الشيطانية وظلوا هنا، لن يذهبوا الى أي مكان آخر، لا الى الـ 22 دولة ولا الى أي واحدة اخرى. فقط نكبة ثانية ستخرجهم من هنا.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف