بقلم: عميره هاس، هآرتس 19/3/2019
في هذه الاثناء يبدو أن التخويف فعل فعله. سلطة حماس في غزة نجحت في قمع الاحتجاج، ولكن القمع الفوري والعنيف نجح في أن يضعضع ايضا من يميلون الى تأييد حماس في نزاعها مع السلطة الفلسطينية، أو أن يروا في قيادة رام الله القيادة المسؤولة الاساسية – بعد اسرائيل. بالطبع – عن الضائقة الفظيعة لسكان القطاع.
ادعاء حماس بأن المظاهرات تم ترتيبها وقيادتها ودعمها من قبل الاجهزة الامنية للسلطة وفتح لم يجد له تصديق. حماس اثبتت في الاسبوع الماضي الى أي مستوى هي تخاف من الانتقاد الشعبي الذي في البداية لم يكن بالضرورة سياسيا بصورة مباشرة. هناك ميل للتصديق بأن قيادة حماس اكثر اصغاء للجمهور من قيادة فتح. وقد اعطيت لها الفرصة لتبرير هذا الاعتقاد وأن تربح نقاط ايضا في اوساط من ليسوا مؤيدين ايديولوجيا، ولكن هذه الفرصة تمت اضاعتها.
من بين المراسلين الذين 23 من بينهم اعتقلوا وأمس كان ما يزال ثلاثة منهم في المعتقل، نشرت دعوة لمقاطعة مسيرات العودة في يوم الجمعة القادم وعدم الكتابة عنها، في اعقاب قمع الاحتجاج. “هذا سيكون اختبار حركة الشباب”، قالت احدى سكان القطاع للصحيفة، “اذا لم يشاركوا في المظاهرة وأبقوها فقط لرجال حماس، هذه ستكون طريقة اخرى لاظهار قوتهم وقوة الاحتجاج”.
رغم الثمن الباهظ الذي دفع من حياة الناس وصحتهم وأداء الجهاز الصحي، مسيرات العودة اعتبرت نشاطات تعطي معنى للسكان المسجونين في القطاع، وانجاز سياسي لحماس لقيادة احتجاج يصل الى آذان كل العالم. الاستعداد لمقاطعتها – حتى لو كان الامر يتعلق باقوال فقط – يدل على أن حماس لا يمكنها أن تبني الى الابد على احتكارها كقائدة لمقاومة الاحتلال.
حماس اثببت أنها متمسكة بموقفها كحزب حاكم في غزة، مثل حركة فتح التي تتمسك بموقفها كحزب حاكم في الضفة الغربية. بالضبط مثلما نظمت السلطة الفلسطينية مظاهرات تأييد مصطنعة لمحمود عباس، هكذا فعلت حماس مؤخرا في غزة في الوقت الذي تمنع فيه المظاهرات الاصلية. في يوم الاحد استغلت العملية في مفترق اريئيل من اجل اخراج مؤيديها الى الشوارع، الامر الذي تمنعه عن معارضيها وتسمح به لرجالها.
حركة الشباب التي بادرت الى المظاهرات وعدت في يوم الاحد أنها تنوي تجديدها ولكن هذا لم يحدث. مع ذلك فان من تحدثت معهم لديهم انطباع بأنهم لا يخافون من التحدث علنا عما حدث ومشاركة آخرين في الابلاغ عن ذلك. في الافلام القصيرة القليلة التي نشرت كان يمكن رؤية كيف أن رجال أمن حماس ضربوا المتظاهرين، رغم مصادرة الهواتف المحمولة للمراسلين وآخرين. هذه الافلام تذكر بنوع الافلام التي صورت في المظاهرات في ايران، مثلا، بالهواتف التي خبئت تحت الملابس أو خلف الستائر.
عدد المعتقلين الشامل وعدد المعتقلين الذيناطلق سراحهم غير معروف. ومشكوك فيه أن ينجح أحد ما في احصائها. ايضا غير معروف عدد المعتقلين الذين ما زالوا في الاعتقال لدى الشرطة. صحيح أنه حتى مساء أمس، الحديث عن التعذيب في المعتقل هو الاكثر تخويفا. في التقارير يتم ذكر مشاركين ثابتين في مسيرات العودة في ايام الجمعة الذين اعتقلوا وعذبوا، لكن بقي فقط فحص الى أي درجة هذه التقارير صحيحة.
عندما لا يكون المراسلون احرار ولا يتجرأون على التحقيق في الاحداث مثلما حدث، تبرز اهمية منظمات حقوق الانسان الفلسطينية التي تعمل في القطاع، وخاصة الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الانسان (التي تعمل كأمينة للمظالم للسلطة الفلسطينية وسلطة الامر الواقع في غزة) والمركز الفلسطيني لحقوق الانسان ومركز الميزان لحقوق الانسان. هذه المنظمات تنتقد في الوقت الحالي حكم السلطة الفلسطينية وتوثق بصورة يومية الخروقات الاسرائيلية للقانون الدولي وحقوق الانسان.
في ايام الحروب والهجمات العسكرية الاسرائيلية، الباحثون الميدانيون لهذه المنظمات خاطروا بحياتهم وسجلوا شهادات ووثقوا الاحداث القاسية جدا. بعد وقت قصير من التفريق العنيف لمظاهرات يوم الخميس نشرت هذه المنظمات تقارير وادانات بالعربية والانجليزية. وقد وفرت للمنظمات الموازية في رام الله معلومات جارية وارسلت رجالها لمواصلة جمع الشهادات.
ايضا هنا أظهرت اجهزة امن حماس الخوف من نشر الحقائق. رجال شرطتها هاجموا شخصيتين كبيرتين في الهيئة الفلسطينية المستقلة، مدير الفرع في غزة جميل سرحان والمحامي بكر تركماني، الاثنان كانا في اطار عملهما يوم الجمعة في منزل صحفي في دير البلح. وهناك جرت أشد المظاهرات قوة. رجال شرطة حماس صادروا هواتفهما المحمولة واخرجوهما من البيت. عندما كانا في الاعتقال لدى الشرطة وحتى عندما عرفت هويتهما، انهال عليهما رجال شرطة آخرين وضربوهما الى أن نزفا. سرحان ما زال يعاني من ضربة في رأسه.
هذا لم يتوقف هنا. اربعة باحثين من ثلاث منظمات لحقوق الانسان (المركز والميزان والضمير) اعتقلوا يوم السبت اثناء قيامهم بجمع الشهادات وتم اخذهم للتحقيق. عندما ذهب محامي المركز الفلسطيني الى الشرطة لفحص سبب اعتقالهم تم اعتقاله ايضا. الخمسة اطلق سراحهم بعد بضع ساعات. هذه المنظمات اثبتت في السابق أنه لا يمكن تخويفها. هكذا من ناحية حماس محاولة تخويفهم هي ايضا عمل غبي.
يبدو أن القمع اعاد هذا الاسبوع ولو لفترة قصيرة الحاجز النفسي والايديولوجي الذي فصل في الثمانينيات بين تنظيمات م.ت.ف الوطنية وبين التنظيمات الاسلامية في مرحلة ما قبل حماس. منظمات عليا لـ “التنظيمات الوطنية والاسلامية” اجتمعت في يوم الجمعة وطلبت من حماس الاعتذار امام الجمهور واطلاق سراح المعتقلين. حماس وفتح منذ فترة ترفضان الجلوس معا في هذه اللقاءات، أو في معظمها. والتنظيم يكون عديم الجدوى.
مع ذلك، اهمية التنظيم الاعلى هو في أنه يقابل في اوقات الازمة كبار المندوبين للاحزاب والحركات حتى لو لم تكن جميعها. هذه التنظيمات تحاول الحفاظ على تبادل الآراء وتهدئة النفوس عند الحاجة. في اللقاء هذه المرة حضرت كل التنظيمات الوطنية باستثناء حماس والجهاد الاسلامي. غياب الاخير هام. في فترة توتر سابقة بين حماس وفتح حافظ هذا التنظيم الصغير على الحياد وكان شريكا في الجهود الخارجية للمصالحة بين الطرفين. هذه المرة يمكن تفسير غيابه عن اللقاء كاظهار الدعم لحماس التي تقمع أو الارتباط بالتنظيم الديني الكبير.
من بين الموقعين على الدعوة لحماس بالاعتذار يمكن أن نجد ايضا الجبهة الشعبية القريبة جدا من حماس في كل ما يتعلق بانتقادها لاتفاق اوسلو والسلطة الفلسطينية. رغم أن الجبهة الشعبية تقلصت وليس لديها زعماء ونشطاء بارزين مثلما كان لها في السابق، إلا أنها ما زالت تحظى بهالة الماضي، لهذا لموقفها الواضح توجد رمزية. وحتى لو خاف المتظاهرون من العودة للتظاهر لفترة طويلة، فان سلطة حماس تلقت ضربة قوية على ايديها هي نفسها.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف