قبل عشرة ايام، خمسين شخص قتلوا والعشرات اصيبوا، من بينهم نساء واطفال، في حملة اطلاق نار جماعية خطط لها بعناية من قبل شخص استرالي متطرف قومي (28 سنة) محسوب على الحركة المؤيدة للتفوق الابيض. في صلاة يوم الجمعة في مسجدين في كرايتس ريتش في نيوزيلاندا. هذه الجريمة الفظيعة تم توثيقها من قبل القاتل مباشرة في الفيس بوك. الامر الذي ظهر مثل العاب الفيديو القاتلة والمشهورة في اوساط الاطفال والشباب. تقريبا قبل 25 سنة بالضبط قتل باروخ غولدشتاين 29 مصليا مسلما واصاب 150 في يوم الجمعة في الحرم الابراهيمي في الخليل.
اليوم معروف للجميع أن القاتلين رضعا نظريتهما من مصدر متشابه. الاول – الذي بالمناسبة جاءت تقارير أنه زار اسرائيل وقضى فيها تسعة ايام قبل سنتين ونصف بعد زيارة مشابهة الى تركبا – من اتباع الحركة المؤيدة للتفوق الابيض وكراهية المهاجرين والمسلمين. في حين أن الثاني كان عضو في حركة “كاخ” المحسوبة على اليمين المتطرف جدا من مدرسة مئير كهانا، الذي منع ترشحه للكنيست في 1988 بعد التقرير بأن اهداف حركته هي اهداف عنصرية.
في اعقاب التراجيديا في نيوزيلاندا، رئيسة الحكومة جاسندا الدران لم تكتف بالتعزية بل عملت فورا على تعزيز الرقابة على السلاح في بلادها وشطب الفيلم الدموي الذي وثق المذبحة اثناء حدوثها من الشبكات الاجتماعية. وعملت على مصادرة كتاب غوردون بترسون بعنوان “12 قانون للحياة” الذي نشر بكميات كبيرة قبل واثناء المذبحة. الذي في اطار جولته في الدولة من اجل تشجيع بيع الكتاب، التقط الصور مع معجبين ارتدوا قمصان مسيئة للاسلام وتشجع الخوف من الاسلام. الصور شطبت من موقع الشركة التي نظمت الاجتماع في اعقاب الاحداث المأساوية. في حين أنهم في اسرائيل، ورغم أن مذبحة غولدشتاين ادينت من الكثيرين وأدت الى تشكيل لجنة للتحقيق فيها، فان اتباع غولدشتاين ومعلمه كهانا يرفعون رؤوسهم بدعم من رئيس الحكومة من اجل الدخول الى الكنيست ومواصلة الدعوة الى العنصرية وكراهية العرب.
يبدو أنه في اسرائيل 2019 كل الحواجز رفعت، ولا يوجد شيء للحديث عن الخجل والمظاهر منذ فترة طويلة. من الامور المثيرة للانطباع أن نتنياهو يائس ومستعد لتشجيع عنصريين قوميين متطرفين يؤيدون الاعمال الارهابية ضد العرب من اجل الدخول الى الكنيست في الدولة التي يقف على رأسها، الى جانب نشر اقوال كاذبة ضد المواطنين العرب. كل ذلك مقابل التصاقه بالكرسي الواسع لولاية اخرى.
ولكن لأن موضوعنا ليس نتنياهو، بل عن ظاهرة حبلى بالكارثة الذي هو وامثاله يمثلونها، من الجدير التوقف ومحاولة فهمها، حيث أن العنصرية هي عنصرية، وهي عنصرية دائما كانت ودائما ستبقى، مهما تغير ناشروها وضحاياها، والتاريخ غير البعيد يدل على ذلك اكثر من أي شيء آخر. فقط هذه المرة موضوع هذه الجرائم هو نتيجة مباشرة لايديولوجيا عنصرية وفاشية، التي للاسف تزداد وتشتد ايضا في الولايات المتحدة واوروبا وتدعو الى كراهية العرب والمسلمين والمهاجرين وكل من يستجيب لوصف “الآخر”.
هكذا، ليس من الغريب أن كراهية الاجانب والمهاجرين – وعلى رأسهم من يتسربون من دول العالم الثالث الذين في معظمهم من العرب والمسلمين – تسربت للخطاب العام في البلاد وفي العالم دون أي خجل. ووجدت تعبيرا واضحا لها حتى في تصريحات رؤساء حكومات ورؤساء دول. في الولايات المتحدة يدور الحديث عن اقوال هراء عنصرية للرئيس دونالد ترامب بشأن المهاجرين من دول عربية وملحمة بناء السور على الحدود مع المكسيك وسجن اطفال لمهاجرين.
في حين أنهم في ساحتنا، رئيس الحكومة نتنياهو ينشر المقولة الكاذبة والبائسة “العرب يتدفقون الى صناديق الاقتراع”، تواصل ضرب العرب في كل مرة من جديد والتحريض ضدهم في كل مناسبة على أمل أن ذلك سيفيده في الانتخابات. المثال الاخير على ذلك يمكن ايجاده في المقابلة المشهورة مع كارين مرتسيانوا في نهاية الاسبوع عندما وصف “الاحزاب العربية تؤيد الارهاب”، وذلك بعد سن ما يسمى “قانون القومية”، وانضم الى رؤساء عنصريين وهناك من سيقولون حتى نازيون جدد، وشجع احفاد كهانا الايديولوجيين على الانضمام الى كتلة اليمين من اجل ضمان تمثيلهم في الكنيست. لدى نتنياهو كل الوسائل تبرر الهدف، الاساس هو أن يبقى في شارع بلفور، ومعه اذا كان بالامكان ايضا، سيجار وكأس شمبانيا وردية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف