اقوال المصدر الاسرائيلي السياسي الرفيع التي بحسبها الاعتراف الامريكي بسيادة اسرائيل في هضبة الجولان والتي تبشر باعتراف مستقبلي مشابه بضم الضفة أو اجزاء منها، تثير الدهشة. هذه التصريحات تطرح الموضوع بصورة مشوهة. وحتى تتفاخر بالعثور على مبدأ عام في الوقت الذي فيه تم التأكيد على أن مبدأ كهذا غير سار.
​“الجميع يقولون إنه ليس بالامكان السيطرة على اراض محتلة، وهنا تبين أن هذا ممكن”، قال المصدر. ولكن الحديث لا يدور عن سيطرة على مناطق محتلة الى حين تحديد مكانتها في اتفاق بين الطرفين، بل عن فرض السيادة عليها من قبل الدولة المحتلة بخطوة احادية الجانب التي هي أمر مختلف تماما. والتبرير؟ حسب المصدر الرفيع، الاعتراف الامريكي يقرر مبدأ يقول بأنه يمكن السيطرة على اراض تم احتلالها في اطار حرب وقائية.
اذا تجاهلنا الخطأ المتكرر، وكأن الامر يدور عن السيطرة على اراض، فمن الواضح أن اعلان الرئيس الامريكي كان متسرعا بدرجة ما. اعلان الرئيس يذكر بأن اسرائيل تولت السيطرة على هضبة الجولان من اجل الدفاع عن أمنها من تهديدات خارجية، وهي تواصل وصف هضبة الجولان كمنطقة تخرج منها الهجمات ضد اسرائيل من قبل ايران والتنظيمات الارهابية، منها حزب الله. وعن حاجة اسرائيل الى الدفاع عن نفسها من سوريا ومن تهديدات اقليمية اخرى. “في هذه الظروف الخاصة يجدر الاعتراف بسيادة اسرائيل في هضبة الجولان”. جاء في الاعلان.
هذه الظروف الخاصة لا توجد في الضفة. هناك يوجد تنسيق امني مع السلطة الفلسطينية، ومطلوب درجة غير قليلة من الخيال من أجل أن نرى في احتلال الضفة حرب وقائية. من الواضح أن الاعلان لا يستند الى مبدأ عام وحاسم، كما ينسب له المصدر السياسي. العكس هو الصحيح، هذا المبدأ يكمن في ظروف خاصة. لا يوجد أي تشابه بين هضبة الجولان والضفة الغربية من نواحي اخرى، منها عدد السكان الكبير غير اليهود فيها الذي يعني قابلية الضفة لتقرير المصير القومي للشعب الفلسطيني، ومن ناحية تعامل اسرائيل معها.
خلال 52 سنة امتنعت اسرائيل عن ضم الضفة واجرت مفاوضات مع السلطة الفلسطينية على مصير المناطق والتعامل مع الاراضي، من ناحية القوات والصلاحيات لقائد المنطقة، كمنطقة تقع تحت السيطرة العسكرية. صحيح أن اسرائيل خرقت القانون الدولي وقامت باسكان مواطنيها في الضفة، على الاغلب من خلال تبريرات مختلفة التي تبين مع مرور الوقت انها كاذبة، وأنها لم تقم بادارة المنطقة كوصية على السكان فيها. يصعب الافتراض أن خرق القانون الدولي يمنح من خرقه الحقوق حسب القانون الدولي. الظلم لا يمنح الظالم جائزة.
حسب القانون الدولي العرفي، السيطرة الفعلية للجيش على الارض لا يمكنها بحد ذاتها نقل السيطرة للدولة. استخدام القوة أو التهديد بها لا يعطي سيادة على الارض. هذا هو المنطق والقاعدة لـ “السيطرة العسكرية” على ارض – اتفاق مؤقت فيه السيطرة العسكرية محدودة على الحفاظ على النظام العام في منطقة من خلال الحفاظ على الوضع القانوني فيها. إلا اذا احتاج الامر بصورة مطلقة تغييره. وذلك حتى التوصل الى اتفاق بين الطرفين.
يمكن الافتراض أنه ايضا اذا قررت الادارة الامريكية بقيادة ترامب الذي لا يحظى بصلاحيات اخلاقية ومكانة لقيادة العالم، الاعتراف بضم الضفة الغربية أو اجزاء منها، فهو لن يكون رئيس معسكر تسير خلفه دول اخرى. ويمكن الافتراض أنه سيدان من قبل معظم المجتمع الدولي، باعتباره يخرق قانون اساسي للقانون الدولي. في هذه الاثناء يجدر التذكير بأنه عندما اعترفت ادارة ترامب بالقدس كعاصمة لاسرائيل فهو فعل ذلك من خلال الاعلان بأنه لا يتخذ أي موقف في أي قضية للاتفاق الدائم، بما في ذلك الحدود المحددة للسيادة الاسرائيلية في القدس.
اذا كان الامر كذلك، هناك طريقتان لفهم اقوال المصدر الرفيع. الاول هو أن الامر يتعلق بصراع بين الليكود وبين اليمين الجديد على اصوات مؤيدي الضم. الليكود يستخدم ترامب وامكانية استجابته من اجل تحقيق نقاط امام اليمين الجديد. واذا كان الامر هكذا فليس هناك أي سبب للانفعال.
الطريقة الثانية، الحديث يدور عن أمر حقيقي – الليكود يتجه حقا نحو الضم. لا يجب استبعاد هذه الامكانية. إن تمهيد الارض لذلك تم من خلال قانون اساس: القومية. القانون يعلن أن الاستيطان اليهودي يعتبر قيمة قومية ومن الواجب تشجيعه. من الواضح أنه على الاقل حسب من يؤيدون القانون، هذه القيمة القومية لا تتوقف عند الخط الاخضر، وبأمر منه ستعمل الحكومة على توسيع الاستيطان اليهودي في الضفة.
قانون اساس: القومية، يثبت الطابع اليهودي للدولة كقيمة عليا، وبذلك فانه يدمج قانونيا نظام ابرتهايد محتمل في مناطق الضفة في افضل الحالات. عن الحالة السيئة لتغيير الميزان الديمغرافي بالقوة، لا أحد سيوافق على التحدث، حتى الذين ينوون ذلك. في افضل الحالات سيتم ضمان يهودية الدولة بواسطة منع حق التصويت عن الفلسطينيين، على الاقل من اولئك غير الصهاينة. لماذا يحسن مصيرهم مقابل العرب مواطني اسرائيل، الذين لا يرى اليمين الاسرائيلي فيهم كشركاء حقيقيين في السياسة الاسرائيلية؟ اذا كانت الفرضية الثانية صحيحة فان حقيقة أن الليكود ذاهب الى الانتخابات بدون برنامج، هي ليست أقل من فضيحة، وهي تدل على نظرته الحقيقية للناخبين، الذين يعتبرون بالنسبة له اشخاص غير جديين، ويمكن خداعهم وقيادتهم بشكل أعمى نحو اهداف لا يريدونها.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف