في اثناء لقاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع الرئيس الامريكي دونالد ترامب في 25 اذار 2019 وقع الرئيس على اعلان رئاسي يعترف بسيادة اسرائيل على هضبة الجولان. وذلك بعد اكثر من 37 سنة من تشريع الكنيست للقانون الذي طبق القانون الاسرائيلي على هضبة الجولان في كانون الاول 1981، الخطوة التي معناها العملي كان ضم هضبة الجولان الى اسرائيل (رغم نفي رئيس الوزراء، مناحم بيغن، في ذاك الوقت). على مدى هذه الفترة الطويلة لم يعترف اي لاعب ذي مغزى في الساحة الدولية بسيادة اسرائيل على هضبة الجولان، وحافظت الساحة الدولية بتزمت على المبدأ الاساس في قرار 242 لمجلس الامن “لا ينبغي الموافقة على اكتساب الارض بالحرب”. وردا على احلال القانون اتخذ مجلس الامن حتى قرار 497 الذي قضى بان الضم لا معنى له من ناحية دولية.
لقد كانت احتياجات السياسة الداخلية هي التي حفزت تحريك الخطوة رئيسي الدولتين على هذه الخطوة. فكلاهما كانا يحتاجان الى هذه الخطوة لارضاء قاعدتهما السياسية. نتنياهو يعيش في ذروة حملة انتخابات، قبل اسبوعين من موعد الانتخابات، وهدفه هو منع تسرب الناخبين الى خصمه السياسي حزب أزرق أبيض ومنافسيه في معسكر اليمين. اما ترامب فيوجد عمليا في حملة انتخابات منذ انتخابه، وبدأ منذ الان نشاطا مكثفا لضمان انتخابه لولاية ثانية في 2020. صحيح أن خطوة الرئيس تعكس ايضا رغبته في مساعدة اعادة انتخاب نتنياهو في الانتخابات القريبة القادمة، ولكن هذه ليست أول حالة لتدخل الادارة الامريكية للانتخابات في اسرائيل، في محاولة لمساعدة المرشح المفضل على الرئيس الامريكي. وقد استقبل الاعلان بالترحاب من معظم الجمهور الاسرائيلي ومن الساحة السياسية الاسرائيلية. هدف هذا المقال هو تحليل الاثار السياسية والامنية لخطوة الرئيس ترامب.
الاثار الامنية
لاحلال القانون الاسرائيلي على الجولان في 1981 لم تكن آثار امنية فورية في 1981، عندما كانت سوريا في وضع عسكري مختلف تماما حيال اسرائيل، ومعقول ان هذه المرة ايضا ستمتنع سوريا عن المواجهة العسكرية المباشرة مع اسرائيل. يحتمل ان يكون دافعها لمحاولة المس باسرائيل والموجودة منذ الان بسبب النشاط العسكري الاسرائيلي في الاراضي السورية في السنوات الاخيرة سيزداد. وهي ستزيد دعمها لجهود حزب الله وغيرها من الميليشيات الشيعية لبناء بنية تحتية للعمليات في هضبة الجولان تعمل عند الحاجة. وسيكون الاستخدام في هذه الحالة حذرا وسيتطلع على الامتناع عن التصعيد الجدي مع اسرائيل. لايران وفروعها مواجهة عسكرية محدودة مع اسرائيل في الاراضي السورية منذ الان، ولا يبدو أنه سيكون لخطوة الرئيس ترامب هذه تأثير على ميزان دوافعها واعتباراتها لكيفية العمل ضد اسرائيل. هكذا ايضا في ما يتعلق بالساحة الفلسطينية. ليس معقولا ان يكون لهذه الخطوة تأثير على قرارات المنظمات المشاركة في الارهاب ضد اسرائيل وفي اعتبارات الافراد اذا كانوا سيعملون ضد اسرائيل.
ردود فعل وآثار سياسية
أعربت الساحة الدولية عن عدم رضاها عن الخطوة الامريكية. أمثلة بارزة: الناطقة بلسان وزارة الخارجية الروسية أعلنت بان تغيير مكانة هضبة الجولان، في ظل تجاوز مجلس الامن، يشكل خرقا مباشرا لقرارات الأمم المتحدة. وأضافت بان لروسيا موقفا مبدئيا يقول ان الجولان يعود لسوريا وذلك وفقا لقرار 497 للأمم المتحدة. بل ان روسيا حاولت ان تستخدم حجة انه اذا كانت الولايات المتحدة لا تعترف بهذه القرارات، فلماذا لا تبدي استعدادا للاعتراف بسيادة روسيا على القرم. وأفاد الاتحاد الأوروبي بانه: “لا تغيير في موقف الاتحاد. فوفقا للقانون الدولي، لا نعترف بسيادة إسرائيل على الأراضي التي احتلتها إسرائيل منذ حزيران 1967، بما في ذلك هضبة الجولان، ولا نعتبرها جزءا من أراضي إسرائيل”. في فرنسا وفي المانيا تحفظوا من تصريحات ترامب وفي وزارة الخارجية الفرنسية بان السيادة الإسرائيلية في هضبة الجولان تتعارض والقانون الدولي. وقالت الناطقة بلسان الحكومة في برلين انه “تغيير الحدود القومية يجب أن يتقرر بالسلام بين الطرفين المشاركين”.
تتفق مع هذا الموقف أيضا دول الشرق الأوسط الصديقة لإسرائيل، وبالطبع اعداؤها أيضا: فقد شددت مصر على موقفها الثابت في أن الجولان السوري هو ارض عربية محتلة وفقا لقرارات الأمم المتحدة وعلى رأسها قرار 497. وعلى حد قول القاهرة، فان على الاسرة الدولية ان تحترم قرارات الأمم المتحدة وميثاق الأمم المتحدة يحظر السيطرة على الأراضي بالقوة. وقال وزير الخارجية الأردني ان “موقف الأردن بالنسبة لهضبة الجولان يبقى كما كان دائما، الجولان هو ارض سورية محتلة وذلك بموجب قرارات دولية تشير بشكل واضح لا يقبل التأويل بانه محظور الاستيلاء على الأرض بالقوة. والسلام الشامل يحتاج الى انسحاب إسرائيلي من كل الأراضي العربية المحتلة، وهضبة الجولان السورية هي جزء لا يتجزأ من هذه الأراضي. اما دول الخليج وعلى رأسها السعودية فقد أعربت هي الأخرى عن معارضتها وكررت القول ان هضبة الجولان هي ارض محتلة.
وشجب الناطق بلسان الخارجية الإيرانية قرار ترامب وشدد على أن “الكيان الصهيوني” يحتل أراض عربية وإسلامية – الامر الذي يجب أن ينتهي. وعلى حد قوله، فبموجب قرارات مجلس الامن والأمم المتحدة فان الجولان يعتبر ارضا سورية محتلة. وشجبت تركيا الخطوة بشدة وأعلنت عن نيتها التوجه في هذه المسألة الى المؤسسات الدولية.
يمكن الافتراض، بالتالي، بان الاسرة الدولية ودول الشرق الأوسط ستواصل التعاطي مع هذه الخطوة مثلما تعاطت مع القرار الأمريكي لنقل السفارة الى القدس. وستواصل عدم الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، مع استثناءات هامشية وقليلة ممن يرغبون بارضاء إدارة ترامب. سؤال منفصل هو اذا كانت هذه المعارضة ستترجم الى خطوات عملية. يحتمل أن يحاول العالم العربي وتركيا اتخاذ قرارات في محافل الأمم المتحدة تعارض هذه الخطة وتؤكد من جديد قرار 497. معقول أن تصطدم مثل هذه المحاولة بفيتو امريكي من جانب مجلس الامن، ولكن يحتمل أن يتخذ اعلان بهذه الروح في الجمعية العمومية فتتوفر له الأغلبية. وباستثناء ذلك من غير المتوقع خطوات عملية خاصة ذات مغزى في الساحة الدولية.
في العالم العربي ستجعل هذه الخطوة التعاون العلني مع إسرائيل من جانب الدول الموقعة على اتفاقات السلام معها ودول تقيم علاقات غير رسمية معها كدول الخليج صعبا جدا. والافتراض بان تترجم المعارضة والعداء لقسم كبير من الدول العربية لنظام الأسد الى موافقة على الخطوة الامريكية لا يأخذ بالحسبان الفصل الذي تجريه هذه الدول بين النظام وبين الدولة السورية السيادية. والتقديرات التي برزت مع بدء الهزات في العالم العربي بانه حلت نهاية لما يسمى حدود سايكس بيكو وبالتالي من المتوقع حدوث تغييرات على حدود الدول العربية – تبددت حاليا. فالدول تحافظ على صيغتها السياسية وعلى حدودها حتى لو سادت فيها الفوضى ومبدأ عدم تغيير الحدود بالقوة بقي كما كان في 1991، حين أدى احتلال صدام حسين للكويت الى توحيد كل العالم العربي ضده، مثلما كان في 2018 عندما قمعت محاولة الحكم الكردي الذاتي في العراق للتحول الى دولة مستقلة، إذ قمعتها حكومة العراق بدعم من كل العالم العربي. العالم العربي لن يكون مستعدا للموافقة على مس إسرائيل بسيادة دولة عربية.
بالنسبة للاثار السياسية مع سوريا، من غير المعقول ان تحاول سوريا ان ترد على هذه الخطوة بجهد للمس باتفاق الفصل بين إسرائيل وسوريا وبالمسيرة التي بدأت لاعادة تواجد القوة الدولية ونشاطها. كما لا يبدو أن الخطوة الامريكية ستمس بامكانية استئناف المفاوضات مع سوريا على اتفاق سلام اذا ما نشأت في المستقبل ظروف ما وقامت حكومة في اسرائيل تكون معنية باستئناف المفاوضات. اذا كانت سوريا مستعدة لان تدخل في مثل هذه المفاوضات مع إسرائيل عدة مرات بعد إحلال القانون الإسرائيلي على هضبة الجولان، فلماذا تغير الخطوة الامريكية هذا السلوك السوري؟ يمكن بالطبع الادعاء بانه من ناحية السياسة الداخلية سيكون من الأصعب على كل حكومة إسرائيلية أن تتخذ مثل هذا القرار لان المعارضين سيدعون بانه لا يوجد أي سبب يجعل إسرائيل تدخل في مثل هذه المفاوضات التي تنطوي بالضرورة على بحث في إمكانية التنازل عن أراضي في هضبة الجولان حين تكون القوة العظمى والحليفة الأساس لإسرائيل تؤيد سيادتها في هضبة الجولان. ولكن ينبغي أن نأخذ بالحسبان بان إدارة أمريكية أخرى يمكنها أن تغير موقف الولايات المتحدة في المستقبل في هذا الموضوع، لاعتبارات سياسية داخلية او لتغيير الظروف.
هذه الخطوة تعزز صورة الإدارة الامريكية الحالية كمن تقف بلا شروط الى جانب اسرائيل وتتبنى مواقفها تجاه الدول العربية. كما أنها ستعزز التحفظ الموجود منذ الان لدى حلفاء الولايات المتحدة من سياستها العامة في المنطقة مما سيجعل من الصعب على الإدارة ان توسع وتعمق التنسيق معها وليس فقط في المواضيع الفلسطينية. يمكن ان ينطبق هذا أيضا على الموقف من مساعي الإدارة لتجنيد اكبر عدد ممكن من الشركاء الإقليميين لسياستها تجاه ايران. هذه الصورة ستمس اكثر بقدرة إدارة ترامب على التوسط بين إسرائيل والفلسطينيين وتجنيد الدول العربية لمساعدتها في تسويق صفقة القرن التي احتمالاتها على أي حال في تحقيق التقدم في الساحة الفلسطينية ستكون هزيلة حتى قبل هذه الخطوة. في إسرائيل يمكن لهذه الخطوة أن تشجع المحافل السياسية التي طرحت أفكار ضم المناطق الفلسطينية من محاولة تحقيق هذه الأفكار بعد الانتخابات، بدعوى أن الإدارة الامريكية لن تمنعها. واذا كان نتنياهو هو رئيس الوزراء التالي فان ترامب سيتوقع خطوات تأييد مشابهة من جانبه قبيل الانتخابات الامريكية، الامر الذي سيعزز صورة إسرائيل كمن تنحاز في الخلاف السياسي الأمريكي الداخلي مع كل آثار ذلك على علاقات إسرائيل مع الحزب الديمقراطي.
وبالاجمال، ستكون للخطوة الامريكية اثار سياسية في الساحة الدولية والإقليمية وفي داخل إسرائيل. ولكنها لا تضع تحديات امنية خاصة. عمليا ستؤثر على قدرة المحافل الامريكية الرسمية للعمل في هضبة الجولان مثلما في كل ارض سيادية لإسرائيل وعلى الفكرة في داخل اسرائيل بان بوسعها أن تحتفظ على مدى الزمن بالاراضي التي احتلتها في حرب الأيام الستة حتى دون اتفاق مع الأطراف العربية.شلومو بروم، ​معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي ٢-٤-٢٠١٩٠

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف