مدّ كُتاب الرأي أطرافهم تعباً، وهتفوا «لقد قلنا لكم»؛ قلنا لكم إنكم ستجنون خيبة أمل كبيرة، حيث إن معظم الجمهور يميني، والجندي المزين بشّر بما سيأتي به المستقبل. هذا الجندي ليس ايهود باراك أو غابي اشكنازي، بل اليئور ازاريا الذي قتل «ارهابيا» مصابا.
ولكن معسكر اليسار، الذي تقلص ومعسكر الوسط الذي زادت قوته، لم يستمعا الى مقالات النعي التافهة. لقد خرجا الى المعركة. بالتحديد الوسط في اسرائيل أثبت قوة كبيرة: هو يصارع أمام ماكينة دعاية قاتلة، نشرت أكاذيب وافتراءات بدون توقف، أمام زعيم يحظى بالاحترام الدولي، وإزاء استقرار اقتصادي نجح في إشباع مطامح الطبقة الوسطى.
إذا نظرنا الى هذه الحملة الانتخابية بالميكروسكوب، سنجد أنها ارتكزت إلى سؤال بنيامين نتنياهو نعم أم لا. ولكن من منظار اوسع اكثر كان الامر يتعلق باعلان هوية المعسكر المقابل. يقولون إن اليمين يعتمد على امور عاطفية، حيث إن حب الزعيم والشعور بأنه يجب «الدفاع عن البيت» جزء أساسي فيها. ولكن ايضا لمصوتي المعسكر المقابل توجد هوية عاطفية، في مركزها يقف الشعور بأن لهم مهمة يمكن تلخيصها في «احرق الشر داخلك».
لا نحتاج الى مقالات رأي حكيمة من أجل أن نعرف بأن التوجهات الديمغرافية تخدم اليمين، وكذلك المتدينون القوميون والحريديون. قوتهم تزداد من انتخابات الى اخرى. هذه الحقيقة تعزز اكثر الادعاء الذي يقول إن الوسط واليسار لن يتمكنوا من احداث تغيير حقيقي بدون التعاون مع العرب.
في السنوات الاخيرة شاركت في لقاءات بين اليهود والعرب، ممن حاولوا التوصل الى صيغة تؤدي الى الذهاب بشكل مشترك في الانتخابات. فشلت كل المحاولات بسبب الاختلاف في الرأي حول معنى مفهوم الدولة اليهودية الديمقراطية. يتبين أن الذهاب بصورة مشتركة يقتضي الاتفاق على تغيير النشيد الوطني، الغاء قانون العودة، وتقليص الحيز الذي تحتله الصهيونية كقيمة تأسيسية في حياة الدولة. لا أعتقد أن هذا ممكن وأنه صحيح.
مع ذلك، الأغلبية الساحقة من «عرب اسرائيل» تفضل بني غانتس وغابي اشكنازي على نتنياهو وياريف لفين، لكنهم سيواصلون الجلوس في بيوتهم اذا لم يدر «ازرق ابيض» واحزاب اليسار الصهيوني حرباً على شرعية الموقف العربي في اسرائيل اليهودية الديمقراطية. تغيير قانون القومية يجب أن يكون هدفاً أسمى في عملية بناء الثقة بين اليسار – الوسط وبين العرب. يجب النضال ضده وضد اقصائهم بشكل عام. في المقابل، على العرب الموافقة على تعريف اسرائيل كدولة ديمقراطية فيها اكثرية يهودية.
الكثيرون سيقولون إن تحالفاً سياسياً مع العرب هو وصفة واضحة للفشل في اوساط السكان اليهود، لكن هذا بالضبط هو هدف تهيئة القلوب. أنا لا ابحث عن تفهم لدى ميري ريغف وبتسلئيل سموتريتش، بل لدى الجمهور الذي يريد إسقاط المملكة الفاسدة التي تحكم هنا.
اذا صوت العرب بنسبة مشابهة لنسبة تصويت اليهود فربما يحدث انقلاب. نتنياهو وشركاؤه في حملة العار التي نجحت فهموا أنه يجب تقليص عدد المصوتين العرب بكل الطرق. وقد فعلوا ذلك من خلال الاستهانة بكل المعايير المقبولة في انتخابات ديمقراطية.
نتنياهو بقي رئيس حكومة، وهذا إنجاز مؤثر، الشروط الديمغرافية كانت لصالحه، لكن يمكنها أيضا خدمة الطرف الثاني: تحالف مصالح واضح بين السكان العرب وبين معارضي اليمين يمكنه أن يؤدي الى انقلاب في الحكم.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف