«يقولون إن حل القائمة المشتركة كان السبب الرئيسي (لنسبة التصويت المنخفضة في المجتمع العربي في الانتخابات الاخيرة)، ولكن اللامبالاة هي خلفية ذلك». هذا ما قاله للصحيفة رئيس «تاعل»، أحمد الطيبي («هآرتس»، 11/4). ربما كان محقا، وربما أنه لو لم يتم حل القائمة المشتركة وبقيت كما هي بصيغتها السابقة متعددة الاحزاب، لكان الأمر مختلفاً.
مع ذلك، مزيج من الاحباط من انجازاتها القليلة والحملة الوحشية لنزع الشرعية عن الجمهور العربي والنشطاء اليمينيين وكاميراتهم في مراكز الاقتراع في البلدات العربية، يمكنه أن يحقق النتيجة المحزنة ذاتها: انخفاض حاد في القوة البرلمانية للأقلية العربية. ولكن من المسموح الافتراض أنه لو أنه بدل القائمة المشتركة بطبقاتها الداخلية الصلبة، كان يقف في الانتخاب حزب عربي وطني موحد، الذي مرشحوه تم انتخابهم بانتخابات ديمقراطية داخلية، عندها كان المزاج في اوساط المجتمع العربي، وكذلك وضع التمثيل للمواطنين العرب الفلسطينيين في الكنيست، مختلفا.
قبل أسبوعين من الانتخابات دعوت في مقال («هآرتس»، 24/3) الى انشاء الحزب الوطني الموحد للعرب الفلسطينيين مواطني اسرائيل. من الواضح أنه في وقت كهذا لم يكن لدعوتي أي أهمية عملية. ولكن، الآن، يجب العودة وإسماع هذه الدعوة وبقوة أكبر، على أمل أنه قبل الانتخابات القادمة فان حزباً كهذا، رغم العقبات الكثيرة التي تبدو غير قابلة للعبور، الآن، وفي هذه الأيام، سيشتد عوده.
عبد ل. عزب رد على دعوتي بمعارضة شديدة («هآرتس»، 26/3)، وحسب أقواله، التي لا يوجد سبب للتشكيك بمصداقيتها، هناك عدد غير قليل يشاركونه الرأي في المجتمع العربي في إسرائيل. مبرراته الاساسية كانت حسب فهمي ثلاثة مبررات هي:
1- حزب عربي موحد سيعيد المجتمع العربي في اسرائيل الى الخلف في كل ما يتعلق بعملية الحداثة والدمقرطة. وكل ذلك بشكل خاص لأن هذا سيدعو الى تعزيز الحركة الاسلامية.
2- الحزب سيكون بمثابة سرير سدود القومي بالنسبة لمجتمع متعدد الهويات ومتنوع الايديولوجيات. وبهذا سيوقع ضربة شديدة على تعدد الثقافات المبارك في المجتمع العربي.
3- حزب كهذا سيشجع مرة اخرى توجهات الانفصال في المجتمع العربي بعد أن بدأ بتبني مظاهر الديمقراطية الاسرائيلية الخرقاء.
حسب علمي، الادعاءات الثلاثة هذه يصعب جدا الموافقة عليها. أولا، خلافا لادعاء عزب، فان الأبحاث السوسيولوجية والتاريخية في مجال القومية تقول إن الحركات القومية في العصر الحديث كانت بدرجة واضحة، بمثابة وكلاء لعمليات الحداثة والدمقرطة في مجتمعاتها. من المعروف أن العنصر الديني اذا كان متجذرا عميقا في الوعي وفي واقع التجمعات القومية، لن يمحى في أي يوم في اطار القوميات الحديثة. مع ذلك، فإن عملية التبلور الداخلي للتجمع القومي الحديث دائما مرتبطة بجهود الربط والجسر بين اجزاء أمة مختلفين، حيث إنه من طبيعة الامور أن تضطر المجموعات الدينية احيانا للبحث عن مصالحات مع الاسس العلمانية اكثر للأمة، الامر الذي يمكنه على المدى البعيد أن يهز هيمنة الدين، وليس بالذات تقويته. لا يوجد سبب للتفكير في أن توجهات كهذه لن تحدث من خلال التقوي الوطني – السياسي للحزب العربي الموحد في اسرائيل.
ثانياً، الاعتقاد بأن الحزب الوطني العربي – الفلسطيني الموحد سيكون بالضرورة «قوميا متطرفا» يعكس بشكل كبير التمثيل المشوه لسياسة الاقليات القومية العربية في الخطاب اليهودي الاسرائيلي. خطاب، في هذه النقطة يخترق احزاب سياسية يهودية من اليمين وحتى بقايا حزب العمل واعتاد على وصف الاحزاب العربية تقريبا كصورة مرآة لليمين المتطرف الكهاني. ولكن يصعب أن يخطر بالبال ادعاء اشكالي اكثر بالنسبة لاسهام مواطني اسرائيل الفلسطينيين في السياسة الاسرائيلية، حيث إن النضالات السياسية لممثليهم استهدفت الدفع قدما برؤيا المساواة المدنية والقومية – الجماعية في اسرائيل، التي هي النقيض التام لفكرة القومية المتطرفة والعنصرية.
كذلك، ازاء الخطوط المميزة التقدمية لسياسة الاقلية العربية – الفلسطينية في اسرائيل، التي تدعو الى خطاب ديمقراطي مساواتي في المجتمع الاسرائيلي الشامل، ليس بالامكان سوى الاختلاف مع الفرضية التي تقول إن اقامة الحزب العربي – الفلسطيني الموحد تشكل طلاقا تاما مع الطابع متعدد الثقافات والتعددي للمجتمع العربي نفسه، حيث إنه لن يكون الحديث هنا عن حزب وطني موحد، يمثل الأمة المهيمنة في الدولة القومية، ومن شأنه أن يسعى، مثلما حدث اكثر من مرة في تاريخ الدولة القومية الحديثة، الى توحيد ثقافي مؤسساتي ويدوس على سكان الدولة الخاضعين لسلطتها. هذا سيكون الحزب القومي للأقلية الذي هدفه الاساسي تحقيق المساواة المدنية الكاملة والاعتراف بحقوق الاقلية القومية – سياسي- قانوني وليس قوميا – ثقافيا.
ثالثا، في موضوع الادعاء بشأن خطر الانفصال عن مجمل المجتمع الاسرائيلي، الكامن كما يبدو في اقامة الحزب الوطني العربي – الفلسطيني الموحد، فانه من الناحية المدنية العملية، العكس تماما هو الصحيح. حيث إن الحزب الديمقراطي الموحد للاقلية العربية - الفلسطينية في اسرائيل سيشكل وكيلا رئيسيا وطبيعيا لعملية الأسرلة في الوسط العربي، طالما أن مشاركته المدنية – السياسية في تشكيل طابع دولة اسرائيل تزداد بشكل دراماتيكي، وستترجم، هذا ما نأمله، الى عشرين مقعدا لممثليه في الكنيست.
سيكون هناك من يقولون إن اقامة الحزب الوطني العربي ستضر بشكل كبير بفكرة الشراكة اليهودية – العربية امام معسكر الظلام العرقي المركزي والمتدين – المسيحاني الذي يسيطر الآن في اسرائيل. ليس هناك أدنى شك بشأن اهمية الشراكة الحقيقية بين ابناء القومية اليهودية والقومية العربية في اوساط مواطني اسرائيل الذين يؤمنون بحلم المساواة المدنية الكاملة، بما في ذلك تضمين حقوق الاقليات القومية العربية – الفلسطينية في دولة اسرائيل في القانون. ولكن من المحظور أن تكون هذه الشراكة ترتكز على منطق السيادة اليهودية، بل عليها التعبير عن خطاب حقوق متساوية وثنائية القومية بين المواطنين اليهود والمواطنين الفلسطينيين.
هذا خطأ. أحد الشروط الاساسية للدفع قدما بخطاب ثنائي القومية في اطار الدولة الاسرائيلية هو بلورة وطنية مستقلة للجانب العربي المضطهد والمنقسم الآن – والحزب الوطني العربي الموحد سيكون هو الطريق الصحيحة لذلك.
تشكيله، خلافا لرأي المشككين، سيشكل المرحلة الضرورية في بناء الشراكة المدنية والسياسية بين اليهود الاسرائيليين والفلسطينيين الاسرائيليين، وعلينا الأمل بأن زعماء الجمهور العربي الفلسطيني في اسرائيل سيعترفون بأبعاد المسؤولية القومية والفرصة التاريخية الكبيرة التي تقف امامهم وسيسعون بكل قوتهم نحو هذا الهدف.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف