بصورة متناقضة الجولة الاخيرة تزيد الخطر لعملية أكبر في غزة. إن زيادة الشدة في التوتر بين الولايات المتحدة وايران من شأنها أن تؤثر ايضا على اسرائيل، وصمت ليبرمان اثناء القتال يعزز الاعتقاد بأنه سيعود الى وزارة الدفاع. عملية انهاء الجولة الاخيرة من تبادل اللكمات بين اسرائيل وقطاع غزة وصلت في يوم الاثنين في الليل من قطر. وزارة الخارجية من الامارة الخليجية اعلنت عن مساعدة طارئة تبلغ 480 مليون دولار للكيانين الفلسطينيين المتخاصمين: السلطة الفلسطينية في رام الله وسلطة حماس في غزة. اعلان الدوحة استقبل في القدس مع تنفس الصعداء. الايام التي فيها اتهم رجال اعلام اسرائيليون القطريون بمساعدة الارهاب، وحتى حلموا بالغاء اتفاق التبني بين شركة الطيران لديهم ومجموعة كرة القدم برشلونة، انقضت ونسيت منذ زمن طويل.
القطريون يواصلون اجراء علاقات قريبة مع حركات ودول مرتبطة بالاخوان المسلمين، منها منظمات ارهابية. ولكن لاسرائيل توجد الآن مشاكل اكثر الحاحا. المبعوث القطري محمد العمادي هو اليوم ضيف مرغوب فيه في القدس، كما يستقبل باحترام في رام الله وغزة. بالضبط غياب العمادي عن المنطقة بسبب مشكلات صحية لأحد أبناء عائلته التي اجبرته على الذهاب الى امريكا، كما يبدو أخر تحويل الاموال للقطاع. اسباب اندلاع المواجهات الدورية بين اسرائيل وحماس والجهاد الاسلامي متغيرة، لكن الطريقة التي يتم فيها انهاءها متشابهة: في النهاية مطلوب المحفظة القطرية والوساطة المصرية.
الطريقة التي يتم فيها توزيع هبة الطواريء في بداية شهر رمضان، غير واضحة تماما حتى الآن. الاعلان الذي نشر في الدوحة تحدث عن 300 مليون دولار تحول الى السلطة وتتركز على مجال التعليم والصحة، والى جانبها 180 مليون دولار اعتبرت مساعدة طواريء انسانية. لم يتم القول أي من هذه سيصل الى رام الله واي منها سيصل الى غزة، واذا كان في الحسابات تم تضمين اموال تعهد القطريون بتحويلها مؤخرا، منها 15 مليون دولار شهريا (وهو مبلغ حسب عدة روايات سيتم مضاعفته الى 30 مليون) سيتم تحويله الى موظفي سلطة حماس في القطاع.
ورغم الفجوات الاقتصادية بين المنطقتين، ايضا الضفة – مثل القطاع – تحتاج جدا الى المساعدة المالية من الخليج. الازمة بين اسرائيل والسلطة حول تحويل اموال السجناء خلقت فجوة مالية عميقة في رام الله، لأن الطرفين يتحصنان في مواقفهما، السخاء القطري مطلوب من اجل اجتياز الفترة القريبة القادمة بسلام.
في محادثات مع مراسلين في نهاية يومي القتال في القطاع، أكدت مصادر كبيرة في الجيش على الحاجة الى عملية سياسية مكملة في غزة من اجل ضمان الهدوء على مدى أبعد. حسب تقديرهم، الهجمات الجوية الواسعة ضد اهداف لحماس والجهاد الاسلامي ستؤدي الى تهدئة لبضع اسابيع. بدون الانشغال بالمسائل الاساسية، الازمة الاقتصادية الشديدة في القطاع والحصار المحكم حوله، سيكون من الصعب التوصل الى استقرار طويل المدى. كما أنه في الخلفية ما زال الجهاد الاسلامي ينتظر، الذي لاعتباراته الخاصة (في اعقاب حث ايراني) من شأنه أن يعود ويحاول اشعال النار. يمكن الافتراض أنهم في المستوى السياسي لم يحبوا هذه التصريحات. شخص ما اهتم بتسريب من جلسة مجلس الوزراء في يوم الاحد أن رئيس الاركان افيف كوخافي ورئيس الشباك نداف ارغمان أوصيا الوزراء بالسعي الى وقف لاطلاق النار. بكلمات اخرى، هؤلاء هم الجنرالات الانهزاميين الذين يزعجون رئيس الحكومة في أن يخضع الارهاب بمرة واحدة والى الأبد.
فعليا، أعطى قرار الكابنت الصلاحية لنتنياهو باجراء الاتصالات لوقف اطلاق النار أو أن يقرر استمرار النشاطات العسكرية حسب تقديره. في حين أن التعليمات التي تلقاها الجيش من رئيس الحكومة كانت أن يضرب بشدة التنظيمات الفلسطينية واعادة الهدوء الى منطقة الحدود، لكن عدم الانجرار الى حرب. وبالتأكيد حيث تكون ايام الذكرى وعيد الاستقلال (بعد ذلك باسبوع الاورفزيون في تل ابيب) موجودة على الابواب.
صيغة التسوية غير المباشرة التي تم التوصل اليها في النهاية مع حماس لم تنشر رسميا. بخطوط عامة الحديث يدور مرة اخرى عن العودة الى التفاهمات التي تمت بلورتها في نهاية عملية الجرف الصامد مع دمج التفاهمات التي لم يتم تطبيقها في نهاية ايام القتال السابقة، في تشرين الثاني الماضي وآذار من هذا العام. القصد هو ضخ بصورة ثابتة اموال الى القطاع وتسهيل الحركة في المعابر على الحدود والبدء بتنفيذ مشاريع لاصلاح البنى التحتية. في المقابل، مطلوب من الفلسطينيين الهدوء المطلق على الحدود: لا صواريخ ولا عمليات للقناصة ولا بالونات حارقة. مظاهرات يوم الجمعة على طول الجدار ستستمر في هذه الاثناء. وزير المخابرات المصري، عباس كمال، الذي استضاف وفد من رؤساء حماس والجهاد في القاهرة عندما اندلعت اعمال العنف، أنهى الصفقة بمساعدة الامم المتحدة.
في جهاز الامن يعتقدون أن المصريين بقوا متشككين تجاه حماس بسبب التماهي الايديولوجي مع الاخوان المسلمين – الاعداء اللدودين لنظام الجنرالات في القاهرة. اذا خرقت حماس مرة اخرى الهدوء فان اسرائيل تأمل بأن يكون عقاب مصري تجاه المتورطين في ذلك الى درجة منع الخروج من معبر رفح لعائلات الشخصيات الكبيرة في حماس.
الجيش متفاجىء للأفضل
الاطلاقات التي اشعلت ايام المعارك الاخيرة سبقها تحذير استخباري : في الجيش علموا أن الجهاد الاسلامي يخطط لكمين من القناصة أو صواريخ مضادة للدبابات على طول الحدود. عدد من المحاولات تم احباطها، ولكن في يوم الجمعة الماضي واثناء المظاهرات الاسبوعية، تم اطلاق نار القناصة على جيب قائد المنطقة الجنوبية في فرقة غزة، العقيد ليرون باتيتو. ضابط ومجندة أصيبا، قرار الرد بشدة، قال هذا الاسبوع صابط كبير في القيادة العامة “تم اتخاذه خلال خمس ثوان”. رئيس الاركان كوخافي قدر في الاشهر الاخيرة بأن اطار الرد الاسرائيلي على احداث اطلاق النار – مهاجمة مواقع ومكاتب فارغة لحماس – استنفد. هذه المرة هاجم سلاح الجو موقع مأهول بنشطاء لحماس. وفي القصف قتل نشيطان من الذراع العسكري. بهذا دخلت اسرائيل وعن علم الى جولة قتال. الرد المشترك لحماس والجهاد الاسلامي الذي بدأ في صباح يوم السبت شمل رشقات اطلقت فيها 700 قذيفة تقريبا على الاراضي الاسرائيلية. سلاح الجو الاسرائيلي قصف مئات المواقع في القطاع. بصورة استثنائية، 40 في المئة من الاهداف التي هوجمت كانت تعود للجهاد الذي فقد ايضا 11 من نشطائه في القصف.
انضمام حماس الى اطلاق النار لم ينبع فقط من اعتبارات انتقامية. الجهاد الاسلامي يضع امام حماس تحد داخلي باعتباره متمسك بالمقاومة. في ظل غياب تحسن اقتصادي، يزعمون في اسرائيل، فان حماس تشعر بأن الارض في القطاع تشتعل تحت اقدامها. الجولة الاخيرة التي اشعلها الجهاد الاسلامي وفرت لحماس فرصة لأن تسرع من جديد المفاوضات بشأن تسوية على المدى البعيد.
ومثلما في الجولات السابقة، ايضا ايام القتال الاخيرة بعيدة عن أن يتم انهاءها عن طريق الحسم. من يستهلكون الاعلام حذرون، وسيحسنون صنعا اذا تلقوا بشك قائمة الانجازات ومؤشرات الردع التي تنشر منذ انتهاء الجولة. بعد وقت قصير من دخول وقف اطلاق النار الى حيز التنفيذ في صباح يوم الاثنين الماضي (ما حدث كالعادة، بدون أي تعقيب اسرائيلي) اقتبست وسائل الاعلام بيان من (مصدر امني). هذا المصدر قال إن “المنظمات الارهابية فوجئت من القوة التي استخدمت، وعرفت جيدا أن قواعد اللعب تغيرت، لذلك اوقفوا اطلاق النار بمبادرة منهم بعد طلبات متكررة من جانبهم لوقف اطلاق النار”.
هذه قائمة مشتريات لرسائل اعلامية وليس تحليل حكيم للواقع.
فعليا، اسرائيل عملت بصورة مختلفة مقارنة مع مواجهات سابقة في السنة الاخيرة: الجيش الاسرائيلي رد بقوة اكثر شدة، جدد عمليات الاغتيال بعد فترة توقف استمرت خمس سنوات تقريبا (صحيح تجاه نشطاء في المستوى المتوسط فقط)، هاجم عدد اكبر من الاهداف من بينها مباني متعددة الطوابق، ونجح في احباط عدد من محاولات المفاجأة الفلسطينية بما في ذلك القصف بواسطة طائرة بدون طيار وهجمات سايبر، التي تبين أنها بدائية جدا.
الانجاز الاساسي للفلسطينيين يكمن في القدرة على انتاج قوة وتواصل للنار، التي اسقطت ايضا ضحايا – اربعة مواطنين اسرائيليين قتلوا، والحياة من اسدود في الجنوب تم شلها تقريبا بشكل كامل، اضافة الى الـ 700 صاروخ التي اخترقت الجدار نحو اسرائيل، يبدو أن 200 صاروخ آخر سقطت في حدود القطاع، هذا يدل على مستوى صيانة متدني، لكن في نفس الوقت يدل ايضا على وجود مخازن غنية بالقذائف. بالمناسبة، يوجد لدى الجهاد الاسلامي صواريخ أكثر مما يوجد لدى حماس، المنظمتان تشغلان خطوط انتاج محلية تحت الارض، التي يمكنها تجديد المخزون خلال فترة زمنية قصيرة.
تظهر محاولة للاذرع العسكرية لاغراق انظمة الاعتراض للقبة الحديدية، وبذلك يتسببون في اختراقها. خلال ساعة، بين السابعة والثامنة، مساء يوم الاحد، تم احصاء اطلاق 117 صاروخ على اسرائيل، بضع عشرات منها كانت نحو اسدود، التي شخص فيها السكان كيف أن صافرات الانذار تمتد خلال دقائق من حي الى آخر. بأحد الصواريخ قتل احد سكان المدينة بنحاس بشفزمان الذي لم يتمكن من الوصول الى مكان آمن. 35 صاروخ من الصواريخ التي اطلقت خلال يومي القتال سقطت في مناطق مأهولة. في اربع حالات، اثنان في عسقلان، قتل مواطنين باصابات مباشرة، هذا الامر يقتضي من الجيش اعادة فحص الاستعداد العملياتي في نظام القبة الحديدية ولا سيما في عسقلان، رغم أن نسبة الاعتراض بقيت عالية (اكثر من 85 في المئة(.
الى أين يذهبون من هنا؟ وقف اطلاق النار اعاد اسرائيل وحماس الى مسار التسوية، لكن الجولة الاخيرة ايضا تزيد بصورة متناقضة المخاطرة بعملية عسكرية أوسع. اختيار حماس للتسوية يبدو واضحا جدا. الصعوبة تنبع من فجوة التوقعات بينها وبين اسرائيل بخصوص طبيعة التفاهمات النهائية، ومن احتمالية أن يعود الجهاد ويحاول التخريب على وقف اطلاق النار. وهناك ربما خطر آخر لا يتحدثون عنه وهو أن الجيش الاسرائيلي فاجأ نفسه للافضل بعدد من الانجازات العملياتية مثل المس الناجع بأهداف حماس واستئناف عمليات التصفية. في الوقت الذي فيه الاستعداد المنهجي يؤدي الى نتائج محسنة، هناك اغراء طبيعي تقريبا للعودة الى ذلك. هذا يمكن أن يجر توصيات غير متزنة للمستوى السياسي بجولة قادمة.
غزة كساحة ثانوية
في قسم الاستخبارات في هيئة الاركان مقتنعون أن الانذار الاستراتيجي الذي وضع قبل بضع سنوات امام الحكومة والكابنت بقي محقا: في الساحة الفلسطينية ما زال يحتمل اندلاع مواجهة واسعة. عن غزة سبق الحديث، في حين أن الوضع الراهن مع السلطة في الضفة يتم صيانته بصعوبة بفضل التنسيق الامني الوثيق وبسبب حذر اسرائيل في استخدام القوة العسكرية. ولكن ضعف رئيس السلطة محمود عباس والازمة الاقتصادية والخشية مما يختفي في مبادرة ترامب ما زال يمكنه أن يؤدي الى انفجار. على الارض توجد طاقات سلبية بما يكفي.
في الخلفية وكنوع من المراسلات التي لا تتوقف مع الساحات القريبة من اسرائيل – لبنان والمناطق – يقف التوتر المتزايد بين الولايات المتحدة وايران. الامريكيون زادوا السرعة في هذا الاسبوع بتهديدهم الصريح للنظام في طهران، ازاء نية ايران المس بهم أو بحلفائهم. هنا يعمل عدد من التوجهات التي يمكن أن تتقاطع معا: عقوبات امريكية متزايدة، التي سبق ودهورت الوضع الاقتصادي الايراني، تردد طهران هل ستسحب حدود الاتفاق النووي (الذي انسحبت منه امريكا قبل سنة) واستمرار المعركة الاسرائيلية ضد الاهداف الايرانية في سوريا. في كل هذه المسائل طهران تتبع خط متشدد اكثر ومن شأنها أن تزيد حدة ردودها على الخطوات ضدها.
في نفس الوقت، ايضا الولايات المتحدة تطرح خطاب متصلب: أول أمس وصفت شخصيات كبيرة في الادارة الامريكية ارسال حاملة الطائرات “ابراهام لنكولن” الى الشرق الاوسط كرسالة تهديد لايران. أمس ألغى بصورة مفاجئة وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو لقاء مخطط له مع المستشارة الالمانية انغيلا ميركل، وهبط في بغداد. التقدير هو أن الزيارة جاءت استمرارا لتصريحات حول ارسال حاملة الطائرات، لسبب مشابه. التهديد العلني جاء في اعقاب الاعلان عن حرس الثورة الايراني منظمة ارهابية. وقرار الغاء الاعفاء الذي منحته للدول الثمانية من العقوبات الامريكية بشأن الاتجار بالنفط مع ايران. هذا الاسبوع ذكرت مصادر في البنتاغون لـ “نيويورك تايمز” بأن رجال حرس الثورة مسؤولين عن قتل 600 جندي امريكي على الاقل في العراق في العقد الماضي، بواسطة عبوات ناسفة زودوها للمليشيات الشيعية. من ناحية الامريكيين الحساب ما زال مفتوحا، بالتأكيد فيما يتعلق بقائد “قوة القدس” قاسم سليماني. هذه الاقوال مرتبطة بشكل غير مباشر ايضا بما يحدث في المناطق: يوجد للجهاد الاسلامي اجندات داخلية، غزية، التي ترتبط بالصراع مع حماس. ولكن الامكانية الكامنة في استخدام غزة لنشاطات صرف نظر ضد اسرائيل، كساحة ثانوية في مواجهة اكبر، ما زالت كما هي. زياد نخالة، القائد الجديد للجهاد، التقط صورة مؤخرا مع سليماني في بيروت. ايران لا تملي على الجهاد عمليات تكتيكية. هي ايضا ترسل الاموال وتحدد استراتيجية شاملة. ايضا هذا جزء من صورة شاملة، التي تتكدر قبل اشهر الصيف القريبة القادمة.
ليبرمان لا يتحدث
في الجولة الاخيرة في غزة برز صمت أحد السياسيين، افيغدور ليبرمان. في تشرين الثاني الماضي استقال ليبرمان من منصبه كوزير للدفاع ومن الحكومة وهو منتقد ما وصفه بسياسة متهاونة لنتنياهو في القطاع. لقد عاد وهاجم مقاربة نتنياهو طوال الحملة الانتخابية وخاصة في جولة القتال السابقة في شهر آذار. يمكننا أن نعزو صمته لرضاه من أنه في هذه المرة اتخذت اسرائيل خطوات عسكرية اشد. ولكن ليبرمان لم يدع الى قصف ثقيل، بل الى حرب حقيقية ضد حماس واسقاط حكمها اذا لزم الامر. الهدوء من طرفه هذه المرة (في الوقت الذي غرد فيه جدعون ساعر بانتقاد عام في تويتر وتلقى رد ثاقب من “جهات في الليكود”) يعزز التقدير بأن نتنياهو وليبرمان قريبان من انهاء المفاوضات بشأن عودته الى الائتلاف، وحسب سيناريو معقول، كوزير للدفاع. المسألة التي بقيت مفتوحة هي كيف سيتم التوفيق بين الخط المتشدد لليبرمان الذي يدعو له في غزة وبين السياسة الاكثر حذرا التي يتمسك بها نتنياهو.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف