صفقة قرن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ستعلق في أول وتد لها في المنامة، عاصمة البحرين. كثيرة الاحتمالات بأن هذا سيكون الواحد والوحيد الذي ستستند إليه الصفقة كلها. الهدف، حسب ما نشر في وسائل الإعلام الأمريكية، هو تجنيد 68 مليار دولار تستثمر في السلطة الفلسطينية، والأردن، ولبنان ومصر. ليس معروفاً كم ستحصل كل دولة، وكذا ليس معروفاً من سيساهم في هذه المبالغ. طبعاً لن تكون الولايات المتحدة. ربما السعودية، ربما اتحاد الامارات، ربما دول أوروبا وربما لا أحد.
في بداية السنة، حين بحثت مسألة إعمار سوريا، أوضح ترامب بأن ليس له أي مصلحة في استثمار المال الأمريكي في إعمار دولة «ليس فيها سوى الرمال»، ولكنه شكر السعودية على موافقتها المشاركة في بعض العبء في المستقبل. ولكن السعودية لم تسحب بعد من جيبها حتى ولا دولار واحد في صالح إعمار سوريا. وكذا في صالح سكان غزة لم تهرع للنجدة، ومن تعهدات دول الجامعة العربية بنقل 100 مليون دولار في الشهر للسلطة الفلسطينية، كي تتمكن من مواجهة تقليص الضرائب الذي فرضته إسرائيل عليها ـ تبقت في هذه الأثناء مجرد ورقة عمل جميلة.
تستثمر السعودية في الدول التي تضمن لها النفوذ، وتحديداً الأرباح. في شباط الماضي تعهد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بنقل 3 مليار دولار كإيداعات في صندوق الباكستان والاستثمار في الدولة نحو 20 مليار دولار، بما في ذلك في ميناء غوادار. وبالتوازي، تعهد باستثمار المليارات في الهند أيضاً، رغم أن الاستثمار في ميناء غوادار الباكستاني قد يمس بالميناء الهندي ـ الإيراني شبهار الذي يبعد عنه نحو 70 كيلومتراً فقط. المصلحة السعودية مزدوجة: صد النفوذ الإيراني والكسب من حركة التجارة في الميناء الباكستاني الذي يشكل مركزاً حيوياً لاستراتيجية «الحزام والطريق» للصين.
كما تعهدت السعودية بأن تستثمر أكثر من مليار دولار في العراق، بهدف تنمية البنى التحتية وتثبيت نفوذ المملكة في العراق كوزن مضاد للسيطرة الاقتصادية الإيرانية في الدولة. في الجانب الآخر من البحر الأحمر، نقلت السعودية مؤخراً 320 مليون دولار إلى البنك المركزي السوداني كمساعدة للنظام العسكري ـ الذي يمكنه الآن أن يتلقى القروض من مؤسسات التمويل الدولية. هذا المبلغ هو الحقنة الأولى في التعهد السعودي لمساعدة السودان بـ 3 مليار دولار. السودان مهم للمملكة لأنه أحد العناصر في التحالف العربي -السني الذي أقامه الملك سلمان ضد إيران في 2015، لأن جنودها يشاركون في حرب لا تنتهي في اليمن. ومن أجل الهدف ذاته نقلت السعودية مساعدة بمبلغ 2 مليار دولار إلى السودان، حين كان يحكمه الرئيس عمر البشير.
وفق أجندات المال السعودي والإماراتي في الشرق الأوسط
تساعد السعودية ودولة اتحاد الإمارات مالياً خليفة حفتر أيضاً، قائد «الجيش الوطني الليبي»، الذي يهدد باحتلال طرابلس العاصمة ويتطلع لأن يكون رئيس الدولة. كما نالت مصر هي الأخرى مساعدة سخية بعشرات مليارات الدولارات من هاتين الدولتين، وبالمقابل حصلت السعودية على جزيرتي سنافير وتيران، وطاعة مصر السياسية.
كل دولار سعودي يجب أن ينتج مقابلاً اقتصادياً وسياسياً، أو كليهما معاً. وعندما لا يدفع المقابل ـ تتوقف المساعدة. هكذا كان عندما جمدت السعودية المساعدة للأردن بعد أن رفض هذا المساهمة في الحرب في اليمن أو أن يكون مربض انطلاق للطلعات الجوية ضد النظام السوري. عندما أيدت مصر مشروع القرار الروسي الذي طرح في الأمم المتحدة في موضوع سوريا، أغلقت السعودية توريد النفط الرخيص لصندوقها لبضعة أشهر. وفي لبنان حاول ولي العهد بن سلمان أن يفرض على رئيس الوزراء سعد الحريري إبعاد حزب الله عن الحكومة بل وتسبب باستقالته. في تلك الفرصة أغلق صنبور المساعدة للبنان. وتبينت الخطوة فاشلة، فقررت السعودية استئناف المساعدة، حتى وإن بالتقنين.
في السلطة الفلسطينية المشكلة أكثر تعقيداً. غزة تدعمها قطر ـ التي فرضت عليها السعودية عقوبات اقتصادية خانقة إلى جانب البحرين واتحاد الإمارات ومصر. مشكوك في أن توافق السعودية على أن تحل محل قطر كآلة السحب المالي لحماس في غزة. وإذا قررت أن تساعد فإنها ستساعد السلطة الفلسطينية فقط التي تسيطر في الضفة، قبل أن تقع المعجزة ويصل فيها شطرا فلسطين إلى المصالحة ـ فإنه لن تنشأ للمملكة أي منفعة سياسية.
كي تتمكن السعودية من اقتلاع نفوذ قطر في قطاع غزة، سيتعين عليها أن تطلب من إسرائيل أن تمنع نقل المال القطري، ولكن عندها سيتوجب عليها هي بنفسها أن تنقل التمويل إلى حماس. ظاهراً لا يهم حماس من يمولها، ولكنها قد ترفض قبول الأموال من السعودية أو من اتحاد الإمارات كجزء من اللعبة بين قطر والسعودية.
في مثل هذه الحالة، من شأن إسرائيل أن تقف في وضع محرج سيتعين عليها أن توافق على أن تنقل إلى القطاع أموالاً قطرية كي تمنع مزيداً من المواجهات العنيفة، وبذلك تسحب الأرضية من تحت الدور السعودي.
هذه بعض من الالغام التي من المتوقع أن تتفجر في وجه الولايات المتحدة وممثليها إلى البحرين. والتفكير بأنه بدون خطة سياسية حقيقية سيكون ممكناً تنفيذ خطة اقتصادية من شأنه أن يتبين كبدعة فاشلة من إنتاج الرئيس الأمريكي غريب الأطوار. أما الضيافة على الأقل، فستكون فائقة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف