ماذا تفكرون عن ادانة سارة نتنياهو أمس على تشغيل طباخة خاصة واستئجار طباخين لوجبات فاخرة في منزل رئيس الوزراء – على حساب الاموال العامة؟ يمكن الافتراض ان يكون موقفكم مناسبا مع الشكل الذي ترون فيه ترشيح زوجها لولاية رابعة على التوالي كرئيس للوزراء. ففي حملة الانتخابات السابقة وفي تلك السريعة التالية ايضا، التي فرضت على الدولة، كل شيء يسقط وينهض حول النقاش في رفاه شخص واحد ووحيد – بنيامين نتنياهو.
غير أن دولة اسرائيل ليست بنيامين نتنياهو. عمليا، مشاكل اسرائيل اكبر بكثير من مشاكل الزوجين نتنياهو – حتى مع الاخذ بالحسبان الادانات التي كانت ولوائح الاتهام الجنائية التي لا تزال بانتظارهما. غير أنه من شدة الانشغال المهووس بالمشاكل الزائدة للزوجين، تتجاهل حملة الانتخابات تماما المشاكل الهامة والكبرى حقا.
المشاكل هي أن اسرائيل، على نحو عظيم، فقدت الزخم. في العقد والنصف الاخيرين نمت اسرائيل بنحو 3.5 في المئة في السنة في المتوسط. وهذا نمو متوسط، مع مراعاة معدل نمو السكان (وعليه فان المعطى الذي يمثل النمو في مستوى المعيشة هو نمو الناتج للفرد وليس النمو العام). وللاسف، فان هذا المتوسط ايضا نحن نوشك على أن نفقده قريبا.
تحليل الباحثين في معهد “اهران”، تسفي اكشتاين، افيحاي ليفشتس، سريت مناحم وتمير كوجوت، يبين ان اسرائيل تسير نحو تقليص وتيرة النمو فيها بالثلث – الى 2.3 في المئة في السنة فقط، وقريبا جدا. هذه وتيرة النمو المتوقعة للعقد والنصف القادمين، ومعناه جمود في مستوى معيشة الاسرائيليين (نمو الناتج بالنسبة للفرد صفري)، والتدهور مقارنة بالدول الغنية.
ان سبب التدهور، الذي يبدو شبه محتم، هو أن اسرائيل استنفدت محرك النمو الذي قفز بها الى الامام في العقد والنصف الاخيرين. هذا المحرك كان الانضمام الواسع للعاملين الى سوق العمل. نساء اصوليات، نساء عربيات، ذوو تعليم متدن وغيرهم – الكثيرون من اولئك بدأوا يعملون، فزادوا عدد ساعات العمل في الاقتصاد. الناتج هو معامل لعدد ساعات العمل في الاقتصاد، مضروب بانتاجية العمل – حجم الانتاج في كل ساعة عمل. في العقد والنصف الاخيرين ارتفعت كمية ساعات العمل، ومعها الناتج ايضا. وحسب تحليل معهد أهران، فان الارتفاع في معدل التشغيل كان مسؤولا عن 74 في المئة من الارتفاع في النمو في هذه الفترة.
باستثناء أن هذا المحرك، على نحو عظيم، قد استنفدناه. النساء العلمانيات اليهوديات يعملن منذ الان بالمتوسط اكثر من كل امرأة اخرى في الدول المتطورة، وكذا الرجال العلمانيون قريبون جدا من القمة العالمية. بقي مكان آخر للتحسن في كل ما يتعلق بالنساء العربيات، وبالاساس بالرجال الاصوليين. ولكن حتى لو نجحنا في اقتحام الحاجز في هاتين الفئتين السكانيتين، فهذا لن يغير جوهريا عدد ساعات العمل.
نبدأ بالتخلف مقارنة بالعالم
بينما بات احد المحركات يصل الى الاستنفاد، فان المحرك الثاني – محرك انتاجية العمل – نحن بساطة لا ننجح في تحريكه. في العقد والنصف الاخيرين كان الارتفاع في انتاجية العمل متدن جدا، ولم يفسر سوى 26 في المئة من الارتفاع في النمو. المشكلة هي ان انتاجية العمل في اسرائيل تسير في الاتجاه المعاكس – فارق انتاجية العمل بيننا وبين العالم المتطور يزداد فقط. حسب تحليل معهد أهران، تدهورنا من مستوى انتاجية العمل بنحو 78 في المئة من انتاجية العمل في الدول المتطورة (في المعهد يركزون على عدد ضيق من الدول، الغنية والقوية، لغرض المقارنة) في 1995 الى 68 في المئة اليوم؛ والاتجاه المتبلور هو استمرار التدهور الى 65 في المئة من انتاجية العمل في الدول القوية حتى العام 2030. باختصار بدلا من محرك نمو، اصبحت انتاجية العمل عندنا اثقالا تبعدنا عن مستوى المعيشة الغربية الذي نتطلع اليه.
في الطريق الى التدهور المتواصل هذا نحن ننجح في أن نضرب غير قليل من الارقام القياسية السلبية المذهلة جدا. فمستوى رأس المال العام (أي الاستثمار الحكومي، ولا سيما في البنى التحتية للمواصلات) عندنا أدنى بـ 75 في المئة عنه في الدول المتطورة. عمليا، في مجال البنى التحتية نحن رقم 2 من الاخر في دول الـ OECD (منظمة الدول المتطور). والاستثمار في البنى التحتية الرقمية الحكومية هو 42 في المئة من الاستثمار في الدول المتطورة – نحن الاخيرون بين دول الـ OECD. وهذا فيما تتباهى اسرائيل بكونها امة الاستحداث. مخزون رأس المال الخاص في اسرائيل (استثمار القطاع التجاري) هو 38 في المئة من ذاك في الدول المتطورة – المكان الرابع من الاخر بين دول الـ OECD.
وأخيرا، مستوى رأس المال البشري عندنا – أي كم نحن اذكياء، ناجحون وعمل اكفاء – متدن بـ 12 في المئة عن المتوسط في الدول المتطورة، ومن هذه الناحية نحن نأتي بعيدا جدا في الثلث الادنى بين دول الـOECD.
يقضي تحليل معهد أهران بان هذه الاسباب الثلاثة – الاستثمار الحكومي المتدني في البنى التحتية، الاستثمار المتدني ايضا في القطاع التجاري، رأس المال البشري المتردي لاسرائيل – هي الاسباب في أن محرك انتاجية العمل عندنا يرفض التحرك. ثلاثة مشاكل ترتبط الواحدة بالاخرى. مثلا، القطاع التجاري يقلل من الاستثمار، ضمن امور اخرى لان تحت تصرفه قوة بشرية متردية ورخيصة – من المجدي أكثر تشغيل المزيد منها بأجر متدن من الاستثمار بالتكنولوجيا المتطورة.
المشاكل الثلاثة تتعلق بقدر كبير بالنشاط الحكومي. فمضاعفة الاستثمار الحكومي في البنى التحتية، تحسين جهاز التعليم – بما في ذلك المشاكل الحادة لجهاز التعليم الرسمي العربي الفاشل وغياب جهاز رسمي اصولي – وكذا استثمار كبير في التأهيل المهني، هي بين الخطوات التي يجب على الحكومة أن تنفذها كي تتمكن من تشجيع محرك انتاجية العمل. في عقد السنين المتواصلة لنتنياهو في الحكم بالمناسبة، فعل القليل جدا من هذه الامور. الطباخة الخاصة اشغلته على ما يبدو اكثر مما ينبغي.
منذ اليوم نجد أن فارق انتاجية العمل عندنا مع الدول المتطورة يكلفنا خسارة ناتج بمقدار 600 مليار شيكل في السنة، كل سنة. لو كنا ننجح في تجاوز هذا الفارق، فان كل شخص في اسرائيل سيكون اليوم اغنى بالثلث. ولكن بدلا من أن نغنى بالنسبة للعالم، نحن نتدهور فقط – وحتى 2030 فان التخلف عن دول العالم سيتسع فقط.
إذن صحيح، مشاكل السيدة نتنياهو مع الطباخة الخاصة لديها هي بالتأكيد مزعجة، ولكن مشاكل شعب اسرائيل أكبر وأكثر تعقيدا باضعاف. فبدون زيادة حجم الاستثمار الحكومي، وبدون تشجيع المستثمرين في اسرائيل على الاستثمار أكثر، وبالاساس بدون تحسين مستوى الرأس مال البشري المتردي لشعب اسرائيل – الاصوليين، العرب وكذا كل الباقين – فان الطباخة الخاصة ستكون بلا شك امتيازا الواحد بالالف الاعلى فقط سيكون قادرا على ان يسمح لنفسه بها.
متى نبدأ بالتباحث في هذه المشاكل الحقيقية – وليس في المشاكل الوهمية للزوجين نتنياهو.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف