اتخذت السلطات المصرية قراراً خطيراً جداً بتصنيف حركة الإخوان المسلمين حركة إرهابية، ويندرج هذا في إطار الصراع الجاري في مصر، بين الدولة من جهة، وحركة الإخوان من جهة أخرى التي تحاول أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، بالمطالبة بعودة محمد مرسي إلى الرئاسة والتراجع عن الهبة الجماهيرية في 30 يونيو وما تلاها. وقد لجأت الحركة إلى الأعمال الإرهابية ضد رجال الدولة، عسكريين ومدنيين، في محاولة لفرض وجهة نظرها وقراراتها.
وفي سوريا؛ تعامل حركة الإخوان من قبل النظام السياسي السوري باعتبارها حركة خارجة عن القانون، ويعاقب كل من يثبت انتماؤه إلى الإخوان المسلمين بالإعدام، وتشكل حركة الإخوان جزءاً من المعارضة المسلحة ضد النظام، والتي يصفها هو الآخر بالإرهاب، وتدور بينه وبينها (مع قوى أخرى) معارك دامية ومدمرة.
مثل هذا الوضع؛ له انعكاساته بالضرورة على الحالة الفلسطينية، والمدخل إلى ذلك حركة حماس التي تشكل الفرع الفلسطيني للإخوان، وهذا ما يضع الحركة في مأزق سياسي لا بد لها هي أن تجد له حلاً.
حماس، كما هو مفترض جزء من حركة التحرر الوطني الفلسطينية، وبرنامج عملها يتلخص في الخلاص من الاحتلال والاستيطان، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، بحدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى منازلهم وديارهم التي هجروا منها منذ العام 1948.
وتمارس حماس دورها في إطار الحركة الوطنية الفلسطينية، باعتبارها أحد الفصائل الفاعلة، وهي عضو في هيئة العمل الوطني الفلسطيني العليا، التي يترأسها الرئيس محمود عباس، وتضم الأمناء العامين للفصائل، ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني وأعضاء اللجنة التنفيذية، وعدداً من الأعضاء المستقلين.
وبالتالي فإن كل ما يلزم الحالة الفلسطينية يجب أن يلزم حركة حماس باعتبارها أحد أطراف هذه الحالة.
لا نذيع سراً إذا ما قلنا أن حماس ورطت نفسها، وورطت معها الحالة الفلسطينية في ظل السياسات الإقليمية التي اتبعتها، إن في سورية أو في مصر.
ففي سورية لم تلتزم القرار الفلسطيني بتحييد الحالة الفلسطينية عن الصراع، وتحييد المخيمات الفلسطينية، وسحب المسلحين منها وفك الحصار عنها وإعادتها مناطق أمن وأمان.
ولا نذيع سراً إذا ما قلنا أن لحماس علاقة ما بمجموعات من المسلحين داخل مخيم اليرموك، وأنها هي التي تمدهم بالمال الضروري.
صحيح أن النظام في سوريا عالج الأمر بحدوده، وبالتالي لم يفسر موقف حماس سوى أنه موقف خاص بها وحدها، وبالتالي تعامل مع الحالة الفلسطينية، بمعزل عن موقف حماس وانحيازها ضده، لكن الصحيح أيضاً أن موقف حماس هذا أضعف وحدة الموقف الفلسطيني، الذي كان يجب أن يبنى على الإجماع الوطني بالتحييد، ونعتقد لو أن الأمور سارت وفق هذا المنطق، لوصلت الحالة الفلسطينية في سورية إلى نتائج مغايرة، أفضل بكثير مما هي عليه الآن.
ولا نذيع سراً أيضاً إذا قلنا أن حماس تعاونت مع حركة الإخوان المسلمين في القاهرة، وتعاونت مع محمد مرسي، قبل وبعد انتخابه رئيساً، وهو الآن محال إلى المحكمة بتهمة التخابر مع أطراف أجنبية منها حركة حماس، كذلك لا نذيع سراً إذا ما قلنا أن عناصر من حماس من بين الفلسطينيين المقيمين في مصر، ساروا في تظاهرات حماس ضد حركة 30 يونيو، وشاركوا في التحركات العنيفة ضد رجال السلطة المصرية، مدنيين وعسكريين، وتتحدث السلطات المصرية عن دور لحماس في دعم المجموعات المسلحة في شبه جزيرة سيناء وهي تعتدي على رجال الجيش (الأمن الوطني والشرطة المصرية).
تورط حماس في الصراعات العربية والإقليمية هو ـ شئنا أم أبينا ـ توريط للحالة الفلسطينية خاصة وأن حماس تتولى إدارة شؤون قطاع غزة، أي أن السياسة المصرية نحو حماس، تعكس نفسها بالضرورة على قطاع غزة، تحديداً إغلاق المعابر، وتنظيم حركة العبور للمواطنين.
حماس تقف عند مفرق طرق، وعليها أن تختار بين فلسطين وبين حركة الإخوان إذا اختارت فلسطين، عليها أن تخرج من تحت عباءة الإخوان، وأن تتنصل من أعمالهم في مصر وسوريا ودول الخليج، وفي أي بلد عربي آخر.
أما إذا اختارت الإخوان، فمعنى ذلك أنها ستلحق الضرر بالحالة الفلسطينية، وبالتالي هي تغلب مصالحها الإخوانية الفئوية على المصالح الوطنية العليا الفلسطينية.
بقاء حماس في كنف الإخوان، هي إدامة للتوتر مع مصر وسوريا، وحماس وحدها تتحمل مسؤولية هذا التوتر، وما يمكن أن ينتج عنه من تطورات تلحق الضرر بالقضية الفلسطينية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف