دول الجوار "مصر، تونس، الجزائر، السودان" والمتدخلون الإقليميون "الإمارات، تركيا، قطر"،.. والمشرفون الدوليون ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وايطاليا وأمريكا.. أين ليبيا من كل ذلك؟ من أين يبدأ الحل؟

بعد ان أصبحت واضحة أحجام أدوار الدول الإقليمية والعالمية في الأزمة الليبية ينبغي الإشارة إلى الخفي من المعركة فليست حدود ليبيا هي ساحتها الوحيدة ففي جوار ليبيا تتصاعد الأزمة وترسم معالم سياسات جديدة كما بالضبط ينبغي ملاحظة انها تشعبت لتشمل البحر المتوسط ورسم الحدود البحرية مع الدول الحوض في قبرص واليونان وايطاليا وليبيا ومصر.. وهذا يعني تفعيل أزمة حقيقية بين مصر وتركيا ولتصطف كيانات المنطقة حول المحورين في معركة لن تنتهي غدا فالأمر ليس فقط ترسيم حدود بحرية إنما وضع يد على حقول الغاز و الفلك الاستراتيجي للدول، وبناء موانئ وفتح أسواق وتشبيك للعلاقات الأمنية وتمدد خارج الحدود.. والأزمة كذلك تدخل في تفصيلات الحياة السياسية والاجتماعية في دول جوار ليبيا فتونس ومصر والجزائر في حالة استنفار قصوى لما ستسفر عنه نتائج الاشتباكات في طرابلس ففي حين تؤكد تونس عدم توافقها على خيار محدد تجاه الأزمة الليبية يتبين إن المكونات السياسية التونسية قاب قوسين أو أدنى من انفجار مدوي يعطل تشكيل الحكومة بعد ان فشل الجملي في تمرير حكومته في البرلمان بفعل الاستقطاب الحاد في برلمان لا يحظى بأغلبية فيه وتتصاعد الأزمة التونسية على ضوء الأزمة الليبية ليصل الحد بكتل برلمانية بسحب الثقة بالغنوشي وإسقاطه من رئاسة البرلمان على اثر زيارته الأخيرة لتركيا وتلويح تركيا بالتدخل في الشأن الليبي عسكريا مرورا بتونس، وفي الجزائر استنفار امني وسياسي عالي المستوى بسبب تصاعد التدخلات الإقليمية والدولية في ليبيا فلقد احتفظت الجزائر بموقف رفض تدخل الآخرين الإقليميين والدوليين مع جهة ضد جهة كما انها رفضت التصعيد العسكري الأخير من قبل حفتر حول طرابلس مجددة بضرورة التأكيد على شرعية دولة الوفاق الوطني.

من الواضح إن الاهتمام الأمريكي بتطورات الصراع على الأرض أقل من المعتاد مقارنة بالاهتمام الأوربي لاسيما الفرنسي والألماني والبريطاني والايطالي ولعل مرد ذلك إستراتيجية أمريكية تفضي إلى مسايرة الصراع حتى يتورط الجميع بخسائر وتشابكات معقدة تستوجب تدخلات حاسمة تعرف الإدارة الأمريكية كيف توجهها في الوقت المناسب وبالتأكيد هذا لا يعني أنها بعيدة عن المشهد بل هي ترسي قواعد فيه وتخترقه بأشخاص ووقائع سيكون لها الدور الأساس في المرحلة القادمة..

ملفت حقا ان تدعو برلين لعقد مؤتمر دولي حول ليبيا فلماذا برلين؟ إنها خطوة سياسية كبيرة تقوم بها الدبلوماسية الألمانية في مرحلة تعاني فيها أوربا من هزال سياسي وتفكك على مستوى الاتحاد وأزمات اقتصادية حادة في أكثر من دولة وعدم تفاهم أعضاء حلف الناتو حول مهماته المستقبلية فتتقدم برلين بهذه المبادرة الكبيرة في قضية ليست أوربية لتمنح نفسها صلاحية المبادرة في أزمات العالم، لقد دعت برلين الى المؤتمر في غياب طرفي الصراع دول الجوار الليبي وتركيا والإمارات بالإضافة للوفود الأوربية والأمريكية.. ملفت حقا ان تتم دعوة الإمارات وتركيا وهما ليستا جارتان لليبيا وهما أيضا ليستا دولتان عظميان.. ومجرد الدعوة تعبر عن ضرورة ان يستمع لرأييهما لأنهما من عناصر والتأزيم في المشهد.

المشهد يعبر عن ترحيل العرب لأزماتهم الى خارج إطارهم الأمني والسياسي وتحويل قضاياهم الحساسة إلى أن تصبح شأنا دوليا يتم النظر اليه بعين المصالح الغربية في المنطقة فرغم ان المتصارعين عرب وليبيين ورغم ان مسانديهما هم عرب ومسلمون إلا أن الموضوع يطرح خارج دائرة المصلحة العربية والإسلامية..

وهنا نكتشف حجم دور التناحر الإقليمي العربي المحيط بليبيا في تأزيم الوضع الليبي إذ كيف يجتمع عرب الجوار تحت القبة الألمانية ولا يجتمعون لوضع خطة عربية تقوم على تنفيذها دول الطوق العربي ووضع آليات ورصد إمكانات عسكرية ومادية وسياسية وإعلامية لإنجاحها وفرض أمر واقع على كل التراب الليبي والتهيئة لانتخابات تحت الوصاية العربية وتسليم الدولة عبر صناديق الانتخابات وتأهيل الدولة ببناء مؤسساتها وجيشها بمعايير مهنية تنهي حالة التشظي المليشيوي وبعيدا عن استقطاب تركيا واستقطاب الإمارات.. ومن باب أولى منع التدخل الروسي والفرنسي والايطالي في أي شكل كان..

التدخل الحاسم لدول الطوق مطلوب ليس فقط بدافع أخلاقي بل من باب الأمن القومي العربي في منطقة غاية في الخطورة.. فليس خافيا تدخل الأجهزة الأمنية الصهيونية في المنطقة وفي دول الجوار بالذات في تشاد والنيجر وسواها حيث يقوم المستشارين العسكريين الصهاينة بأعداد جيوش لمهمات خاصة كجيش جنوب السودان وتمتد اذرع الأجهزة الأمنية الصهيونية في ليبيا وتونس لإحداث الارتباك المطلوب.. ثم لعله من باب المعلوم بالقطع ان انفجارا امنيا في ليبيا يعني تسريب السلاح والمسلحين الى دول الجوار تونس ومصر والسودان والجزائر مما يشكل خطرا حقيقيا على الأمن القومي العربي في كل المغرب العربي والمشرق العربي.. وهكذا يتضح لنا حجم الخسارة التي تلحق بأمننا العربي مع كل لحظة لا تستغل في عمل جدي يطوق المشكلة ويبادر بحلها ولو بالقوة العربية.. ولقد سبق للعرب ان قاموا بتشكيل قوة الردع العربي في لبنان وهناك ميثاق عربي للدفاع العربي المشترك تمثل غطاء لاي جهد عربي مشترك.

بعيدا عن الاتهامات المتبادلة بين الأطراف المتصارعة وبعيدا عن الإعلام المشوه والمحرض على مزيد النزف والقتل.. وبعيدا عن التدخلات الأجنبية والمبادرات الأجنبية ليس من حل حقيقي للازمة الليبية إلا بتدخل عربي إقليمي يكون خلاصة تفاهمات عميقة بين الجزائر ومصر وتونس والسودان..والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف