أسئلة كثيرة على جدول أعمال المجلس المركزي، لصالح فتح صفحة جديدة في حياة الحركة الوطنية الفلسطينية ومسارها الكفاحي
للمرة الأولى، منذ حوالي السنتين، ينعقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وعلى جدول أعماله سلسلة طويلة من القضايا الكبرى التي تتعلق بمستقبل الحالة الفلسطينية والحقوق الوطنية لشعبه.
ويصادف انعقاد دورة المجلس هذه المرة، مع انقضاء فترة الأشهر التسعة المقررة لإنجاز عملية تفاوضية، وفق معايير وزير الخارجية الأميركي جون كيري، كان يفترض أن تصل إلى وضع حلول لقضايا الوضع الدائم، لكنها وصلت إلى الطريق المسدود، بفعل التعنت الإسرائيلي، والانحياز الأميركي المكشوف، وتقاعس واشنطن عن ممارسة الضغوط اللازمة على تل أبيب، للالتزام بما تمّ الاتفاق عليه، خاصة استكمال عملية إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى، وعددهم ثلاثون أسيراً من بينهم 14 أسيراً من أبناء أهلنا في الـ 48.
ولعلّ الدرس الأهم في العملية التفاوضية التي بدأت تلفظ أنفاسها مع حلول موعد 29/4/2014، هو غياب الضغوط الضرورية التي تضطر العدو الإسرائيلي للانصياع لمتطلبات حل الصراع بما في ذلك التسليم بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، حقه في الاستقلال والسيادة، وحقه في العودة إلى الديار والممتلكات، ومن الدروس المهمة لمجريات العملية التفاوضية التي تلفظ أنفاسها مع حلول 29/4/2014 هو انفلات مشاريع الاستيطان من عقالها، بعد أن قبل المفاوض الفلسطيني بمفاوضات أخلت بالشروط والمتطلبات المتوافق عليها وطنياً.
وبالتالي فإن دورة المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية تصلح لأن تكون إحدى محطتين: إما مجرد اجتماع لإلقاء اللوم، في عدم الوصول إلى حل، على عاتق الجانبين الأميركي والإسرائيلي، مع التزام السياسات نفسها، بما يستعيد التجارب الفاشلة في مرات قادمة، وإما محطة للمراجعة النقدية الجريئة والشجاعة، ليس فقط لأداء المفاوض، وشروط العملية التفاوضية وأسباب فشلها، بل وكذلك لعموم السياسات الوطنية الفلسطينية، والبحث في سياسات جديدة، تقود إلى تحقيق الأهداف والحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.
***
في سياق التحضير لدورة المجلس المركزي، بات ملاحظاً بوضوح أن البعض يحاول أن يستغل هذه الدورة، تحت سقف منخفض من خلال زرع الأوهام بإمكان اللجوء إلى حلول «تفجيرية» من بينها استقالة القيادة السياسية الفلسطينية، وحل السلطة القائمة وتسليم المفاتيح للاحتلال ووضع الجانب الإسرائيلي أمام واقع جديد يفرض عليه العودة إلى الماضي في رعاية وتوفير احتياجات أكثر من مليوني فلسطيني في المناطق المحتلة. كان واضحاً أن مثل هذا «التهويل» - إن جاز التعبير – لم يكن على جدول أعمال الهيئات الوطنية ولم يتم التشاور بشأنه، على الصعيد الوطني، فضلاً عن أن الممارسات اليومية، بما في ذلك مواصلة المفاوضات الثنائية برعاية أنديك، تؤشر إلى عكس ذلك. ويؤشر إلى عكسه أيضاً تصريحات القيادة السياسية الفلسطينية عن استعدادها لتمديد المفاوضات لتسعة أشهر جديدة، في ظل شروط أخرى، من بينها تخصيص الأشهر الثلاثة الأولى لبحث وحل مسألة الحدود، بما يرسم الخط الفاصل بين مناطق الدولة الفلسطينية التي يصبح محرماً الاستيطان فيها، وبين مناطق إسرائيل، حيث الاستيطان «علامة من علامات السيادة».
واضح من خلال هذه المناورات – إن جاز التعبير – أن ثمة محاولات لا تخفى على أحد، لاختصار محطة المجلس المركزي، وإفراغها من مضمونها، وتحويلها إلى مجرد ورقة تفاوضية هدفها تحسين الشروط التفاوضية الحالية تحت الرعاية الأميركية إياها، وتعطيل إمكانية تحويل هذه الدورة إلى محطة مراجعة وطنية نقدية جريئة وشجاعة، وصولاً إلى استنتاجات بديلة، وسياسات جديدة، تخرج القضية الفلسطينية من إسار الهيمنة الأميركية، وتحررها من قيود التعنت الإسرائيلي، وتدفع بها نحو اتجاهات تضمن الوصول إلى الأهداف والحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة.
***
نعتقد أن على المجلس المركزي، كمحطة تشريعية، في غياب المجلس الوطني الفلسطيني، أن يقف أمام التجربة المريرة لشعب فلسطين وعمرها حوالي عشرين عاماً من المفاوضات العبثية وأن يقدم إجابات شافية، تتناول آفاق المرحلة القامة ومستقبل القضية الوطنية وحقوق شعبها.
هل من المفيد بعد اليوم الرهان على الرعاية الأميركية في مفاوضات لم تحقق حتى الآن الحل المنشود، وهل من المفيد البحث في آليات تفاوضية تحت السقف الأميركي ذاته، أم انه بات لزاماً على الحركة الوطنية الفلسطينية أن تشق لنفسها طريقاً بديلاً، بما في ذلك الذهاب إلى القانون الدولي وإلى الأمم المتحدة والمطالبة بمؤتمر دولي للقضية الفلسطينية تحت رعاية مجلس الأمن الدولي، بما يعيد رسم الحدود القانونية بين الشعب الفلسطيني كشعب تحت الاحتلال تقوده حركة وطنية تنشد الاستقلال والحقوق الوطنية المشروعة لشعبها، وبين الجانب الإسرائيلي كطرف قائم بالاحتلال وفي انتهاك فظ لمبادئ القانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية ومبدأ عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة.
إن الحوارات المفتوحة على صفحات التواصل الإعلامي والاجتماعي، أعطت إجابات مسبقة، تصب كلها في ضرورة البحث عن سياسات واستراتيجيات جديدة وبديلة سياسات التفاوضية الحالية.
هل أصيبت الحركة الشعبية بالعقم، بحيث باتت عاجزة عن خوض معركة الاستقلال والعودة في أساليب كفاحية تقود إلى قيام مقاومة شعبية فاعلة ومؤثرة في وجود الاحتلال، في إرغامه على تسديد فواتير احتلاله للأرض والشعب، والدفع به تحو التفكير الجدي بالرضوخ لحقوق الشعب الفلسطيني. أم أن ثمة عوائق مازالت تعترض نهوض الحركة الشعبية الفلسطينية ومن ضمنها غياب الثقة بالقرار السياسي الوطني، وغياب الثقة بالعملية التفاوضية، وفقدان الأمل من إمكانية الوصول إلى حلول عبر هذه العملية، والحاجة الماسة إلى سياسات بديلة تشكل وتوفر دوافع مادية ومعنوية، خاصة وإن الحركة الشعبية لم تتوقف عن إرسال إشاراتها ذات المغزى الغني، منها على سبيل المثال عملية ترقوميا الشجاعة، وصمود الأسرى في سجن الاحتلال واجتراحهم أساليب نضالية إبداعية هزت مشاعر الرأي العام الدولي، ومنها التجارب الشجاعة في الغور الفلسطيني في التصدي للاستيطان عبر قرى «بوابات الشمس» و«بوابات العودة».
هل بات ممكناً السير في العملية الكفاحية للشعب الفلسطيني في ظل غياب شبه تام للمؤسسة الفلسطينية كالمجلس الوطني، والمجلس المركزي، وافتقاد القائم منها لآليات عمل فاعلة ومؤثرة كاللجنة التنفيذية، أو كالمجلس التشريعي الفلسطيني المعطل منذ حزيران (يونيو) 2007، مما غلب دور السلطة التنفيذية، وغيّب دور السلطات التشريعية وأحلّ الفرد محل المؤسسة، وقاد إلى انسداد قاتل في أدوات الاتصال بين المؤسسة والشارع وغياب المساءلة القانونية الدولية، المتمثلة في الانتخابات الشاملة. ألا تحتاج المؤسسة إلى عملية إصلاح شامل، وهل من الممكن الحديث عن سياسات جديدة تقود إلى الصدام مع الاحتلال، على المستوى السياسي القانوني والشعبي، دون توفير مقومات الصمود والقدرة على التغلب على إجراءاته القمعية.
ألم يحن الوقت لإعادة النظر بالسياسيات الاقتصادية القائمة والتي أبقت على الاقتصاد الفلسطيني أسيراً للاقتصاد الإسرائيلي وتابعاً له، في ظل القيود الجائرة التي يفرضها عليه بروتوكول باريس الاقتصادي. وألم يحن الوقت لإعادة النظر بهذا البروتوكول ومتطلباته، لصالح اقتصاد وطني، بما في ذلك إعادة النظر بمسألة التعامل بالشيكل الإسرائيلي في تعاملات السلطة الفلسطينية ومناطقها. في السياق نفسه ألم يحن الوقت لإعادة النظر بسياسة «التنسيق الأمني» والتي لا تعود على مصالحنا الوطنية بأية فائدة، بقدر ما تلقى من ظلال الشك حول حقيقة وظائف الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية.
أسئلة كثيرة يطرحها على نفسه المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، تنتظر الإرادة الوطنية الجادة لتقديم الإجابات الكفيلة بفتح صفحة جديدة في حياة الحركة الوطنية الفلسطينية ومسارها الكفاحي.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف