الارباك الذي تعيشه اسرائيل في اعقاب المعلومات التي توقعت استقالة الموفد الاميركي الى المحادثات الاسرائيلية - الفلسطينية، مارتين انديك، وتعليق جهود الوساطة بعد انتهاء تسعة اشهر من فترة المفاوضات، سيدفعان رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، الى خطوات دفاعية لمنع تحميله مسؤولية الفشل. فالسهام الموجهة من داخل اسرائيل وخارجها، تصيب بالاساس رئيس الحكومة وسياسته وتتهمه بالمساهمة الفعالة في الوصول الى هذه النتيجة من قبل الادارة الاميركية. فانديك كان اختار صحيفة «يديعوت احرونوت» ليسرب عبر مراسلها ناحوم بارنياع، موقفه من اسرائيل والذي يوضح بشكل قاطع ان البناء الاستيطاني الذي يصر عليه نتانياهو ويرفض أية تفاهمات حوله، شكّل العقبة الكأداء امام مفاوضات السلام، وهو، بحسب انديك، المسبب الاساس لعرقلة مفاوضات السلام.
وبحسب تصريحات انديك فان الأميركيين رسموا بمساعدة برنامج محوسب الخط الحدودي في الضفة الغربية الذي ينقل الى اسرائيل قرابة 80 في المئة من المستوطنين الذين يعيشون هناك، مقابل اخلاء النسبة المتبقية. وفي القدس، يقسم الخط الحدودي المدينة بحسب خطوط كلينتون، الأحياء العربية للفلسطينيين، والأحياء اليهودية لاسرائيل. وبحسب المصدر فان الحكومة الاسرائيلية لم ترد على الخطوط المقترحة ولم تطرح اقتراحاً بشأن الحدود.
مسؤولون اميركيون، اختاروا هم ايضا نقل موقفهم مباشرة الى اسرائيل عبر هذه الصحيفة واجمعوا في رد لهم حول سؤال عما اذا لم تكن المفاوضات محكومة بالفشل منذ يومها الأول، بالقول: «كان يتحتم بدء المفاوضات بقرار تجميد البناء في المستوطنات، واعتقدنا انه بسبب تركيبة الحكومة الاسرائيلية الحالية، لا يمكن التوصل الى ذلك، ولهذا تنازلنا عن الفكرة، ولم نفهم ان نتنياهو يستخدم مناقصات البناء في المستوطنات لضمان بقاء حكومته، ولم نفهم ان استمرار البناء يتيح لوزراء حكومته التشويش بشكل فاعل جداً على نجاح المفاوضات. هناك أسباب كثيرة لفشل الجهود، لكن لا مناص من القول ان التخريب الأساسي جاء من المستوطنات. الفلسطينيون لا يصدقون أن اسرائيل تنوي حقاً تمكينهم من اقامة دولة في وقت تواصل البناء على الأراضي المعدة لتلك الدولة والحديث عن بناء 14 ألف وحدة سكن. والآن فقط، بعد انفجار المفاوضات فهمنا ان المقصود، ايضا، مصادرة مساحات شاسعة من الأرضي وهذا لا ينسجم مع الاتفاق».
وقال متحدث اميركي: «بعد 20 سنة من اوسلو تولدت حقائق وشروط لعب ترسخت عميقاً في الأرض، وهذا الواقع يعتبر بالغ الصعوبة بالنسبة الى الفلسطينيين ومريحاً للإسرائيليين». واشار الى ان» واشنطن كانت تعرف هذا الأمر مسبقاً، لكنها وضعت عدم ايمانها جانباً، كون كيري آمن، انه اذا لم يتم التوصل الى اتفاق الآن، فمتى سيتم ذلك؟ لقد فكر كيري بالمستقبل، وآمن ولا يزال يؤمن بأنه اذا لم يتم التوصل الى اتفاق، فان الاوضاع ستصبح أسوأ بكثير مما هي عليه اليوم». وأضاف ان الاميركيين فوجئوا عندما اكتشفوا أن ما يحدث خلال المفاوضات لا يهم الاسرائيليين. وقال: «عندما قال وزير الدفاع موشيه يعالون ان كل ما يسعى اليه كيري هو الفوز بجائزة نوبل للسلام، كانت الاهانة كبيرة. لقد فعلنا كل ذلك من اجلكم ومن اجل الفلسطينيين، وبالطبع كان ذلك من مصلحة الاميركيين».
في اسرائيل ينتظرون تصريحاً من جون كيري، يوضح موقفه من اتهامات انديك (أو «المصادر الأميركية»)، باعتبارها اتهامات خطيرة. وينتظرون كذلك توضيحاً للخطوات المستقبلية. ولكنهم لا ينتظرون مكتوفي الأيدي، بل يستعدون لصد الانتقادات وربما الهجوم، خصوصاً وزراء ونواب وزراء اليمين المتطرف الذين لا يترددون في شتم كيري واتهامه بالعداء لاسرائيل. والخطوة الدفاعية الاولى التي اتخذها نتانياهو، كانت عبر نشر السفير الاسرائيلي لدى الولايات المتحدة، رون دريمر، بياناً صحافياً رفض فيه باسم الحكومة الاسرائيلية ما نشره نائب وزير الأمن داني دانون في موقع «بوليتيكو» الأميركي من تهجم على كيري، حيث اعتبره يهدد اسرائيل وليس وسيطاً عادلاً. وكما يبدو فقد جاء بيان دريمر بتوجيه مباشر من رئيس الحكومة نتانياهو، فأثنى على كيري ورفض الادعاء أنه يحاول تهديد اسرائيل، واكد ان تصريح داني دانون لا يمثل مواقف الحكومة.
وتزامن هذا البيان مع تصريحات انديك التي اشار فيها الى ان كيري سيتخذ خطوات لتجميد المفاوضات لفترة زمنية ثم يعلن عن المبادئ الأساسية التي عرضها على الطرفين كقاعدة للتسوية. وفي هذا احتمال لمأزق جديد، اذ ان وثيقة المبادئ التي اعدها كيري وكان يفترض مناقشتها بين وفدي المفاوضات، الحدود والقدس واللاجئين والأمن والمياه والمستوطنات، لا ترتقي الى مطالب الفلسطينيين ولكنها تعتبر بمثابة طوق خانق لقوى اليمين الحاكم في اسرائيل. ومع ان كيري اعتذر وتراجع، فإن تصريحاته التي حذر فيها إسرائيل من أنها قد تصبح دولة فصل عنصري في حال عدم التوصل الى اتفاق يقود الى الفصل بين الشعبين واقامة دولتين، ما زالت تخيم فوق رؤوس الاسرائيليين ويعتبرون أنها «تعكس جوهر التوجه الاميركي للمفاوض الاسرائيلي».
وتوجد معلومات تتردد أصداؤها في تل ابيب عن «غضب كيري على نتانياهو وسياسته» و»غضب غالبية المسؤولين في البيت الأبيض». واوضح مسؤولون اميركيون ان نتانياهو « دفع الرئيس الفلسطيني الى الزاوية، ولم يوافق على عرض خطة وأصر على البدء من نقطة الصفر، وطالب ابو مازن بالالتزام بالاعتراف بالدولة اليهودية، وهو ما لم يطالب به أي زعيم عربي فاوضته اسرائيل من قبل، كما انه لم يظهر أي ليونة في القضايا الجوهرية الأساسية: القدس واللاجئين، بل طالب بعملية تفاوضية من اجل العملية فقط».
الاسرائيليون لم يتقبلوا موقف كيري ورسائل المسؤولين الاميركيين بل راحوا يكيلون التهم لكيري. البروفسو ابراهام بن تسفي قال ان «كيري صبّ كل آماله على صوغ وثيقة مبادئ يتفق عليها من قبل الطرفين، وتشكل، محفزاً، أو انفجاراً كبيراً، على طريق الاتفاق». وتحرك كيري في عمله بناء على ثقته من دون أي جدال. اذ يُعتقد، بحسب بن تسفي، انه يمكن لكيري اعادة تشكيل البيئة الإسرائيلية – الفلسطينية بضربة ديبلوماسية ناجحة، تعتمد على اللقاءات المباشرة مع اطراف الصراع بكل مركباته.
وذهب بن تسفي الى أبعد من ذلك فرأى انه لو قام كيري بفحص مجمل نجاحات واخفاقات الديبلوماسية الاميركية في المنطقة، منذ قيام إسرائيل، لكان سيقلص منذ البداية حدود القطاع وكان سيتبنى لنفسه الحد الأدنى من سياسة «خطوة بعد خطوة» التي اخترعها هنري كيسنجر. فلقد استطاع كيسنجر تحييد العداء والمخاوف والتشبيهات الراسخة والمصالح المتناقضة لأطراف الصراع، عبر التقدم ببطء وبالتدريج، في سبيل إيجاد منصة في كل مرحلة، يقفز منها الى المرحلة التالية.
في النقاش الاسرائيلي حول فشل المفاوضات تم تناقل مواقف اميركيين، خلال نقاش حول فشل المفاوضات. واجمع عدد ليس قليلاً من المراقبين على ان المستوطنات تشكل السبب المركزي للفشل. واوضح الاميركيون انهم بذلوا كل جهد لانقاذ المفاوضات لكنهم لم يجدوا لدى أي طرف شعوراً بالإلحاح فيما كان كيري هو الوحيد الذي تعجل التوصل الى اتفاق.
وذكر الاميركيون ان ابو مازن، بروح من التعاطف، اكد امامهم انه لن يقدم تنازلات أخرى من دون موافقة اسرائيل على الشروط الثلاثة: 1- ان يكون ترسيم الحدود هو الموضوع الأول في المفاوضات، ويتم تلخيص الموضوع خلال ثلاثة أشهر. 2- يتم الاتفاق على موعد الانتهاء من سحب الاسرائيليين من مناطق السيادة الفلسطينية (إسرائيل وافقت على سحب قواتها من سيناء خلال ثلاث سنوات). 3- توافق اسرائيل على ان تكون القدس الشرقية عاصمة لفلسطين.
وروح التعاطف هذه هي ما يخيف حكومة اسرائيل، مع ان الأميركيين ما زالوا حذرين ولم يحملوا اسرائيل مسؤولية الفشل بشكل صريح ويواصلون المشاورات معها.
عن الحياة

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف