لاقى قرار الرئيس بتعديل المادة 98 من قانون العقوبات الأردني لعام 1960 النافذ في الأراضي الفلسطينية الترحيب من أطراف الحركة النسائية الفلسطينية وحلفائها، لكن الجميع أبدى تحفظاته لعدم الاستجابة إلى المطالبات النسوية والحقوقية بإلغاء المادة 99 من القانون ذاته، معتبرين أن الخطوة غير كافية لحماية المرأة والمجتمع من العنف الذي لم يعد ممكناً تجاهله أو إدارة الظهر لانتشاره.
جاء قرار الرئيس بتعديل المادة 98 من قانون العقوبات خطوة استكمالية للقرار الرئاسي المُتخذ في عام 2011 والقاضي بوقف العمل بالمادة 340 منه، وذهب القرار أيضا إلى وقف العمل بالمادة 18 من القانون المصري المطبَّق في غزة.
إذا ما تأملنا في مجمل التوجهات والقرارات والإجراءات التي تقوم بها السلطة الفلسطينية اتجاه مساواة المرأة وإعادة حقوقها الطبيعية التي صادرتها الاجتهادات والفلسفات المختلفة المصادر والنشأة، سنكون أمام معادلتين متقابلتين مسؤولتين عن بقاء مراوحة منزلة المرأة حول نفسها. فالسياسات والقرارات من جهة، تؤكد على الهوية التقدمية للنظام السياسي المنشود الذي يتبنى مبادئ المواطنة في مجتمع حر وديمقراطي تسوده العدالة الاجتماعية والمساواة بغض النظر عن الجنس، ومن جهة أخرى، تؤكد عملية تقطير القرارات نقطة نقطة، بأن السلطة مترددة وغير حاسمة اتجاه هوية المجتمع العصري المنشود، ومترددة اتجاه حزمة الحقوق والمطالب النسوية.
ومن زاوية أخرى، نلاحظ أن الدولة كانت بحاجة إلى تسييل دماء الضحايا، لتبرير أي تعديل قانوني تقدم عليه من موقع مسؤوليتها في حماية مواطنيها ومواطناتها، حيث جاء القرار الأول في وقف العمل بالمادة 340، في أعقاب ارتكاب الجريمة المروعة المرتكبة بحق الطالبة الجامعية "آيات برادعية"، بينما وقع التعديل الثاني على المادة 98، في أعقاب سلسلة من الجرائم منذ بداية العام الحالي (2014) مودية بحياة أربع عشرة ضحية.
من هنا اعتبر القرار منقوصاً، وبرز التساؤل الهام حول السبب الذي دعا الرئيس لعدم إلغاء أو إصلاح المادة 99 من قانون العقوبات، وهي المادة التي تترك الأمور مفتوحة على مغاربها لعقد الصفقات على حساب دماء الضحايا مضيِّعاً الحق الخاص للمرأة، ومستبدلاً يد القانون العادلة بيد العشيرة والقبيلة المنحازة. وبما يؤكد حالة التردد القائمة التي تكمن على مستوى التنازع بين هوية النظام المستند إلى مبادئ الديمقراطية والمساواة وعلى أساس الاحتكام إلى القانون في الصراعات والنزاعات، وبين الانشداد إلى الأعراف الاجتماعية البائدة والمتناقضة مع القانون.
وعلى الضفة الأخرى، جاءت سلسلة من التعميمات والقرارات المتخذة من قبل مجلس القضاء لتطوير قانون الأحوال الشخصية على أهميتها، لسدّ فجوات القانون وعجزه عن مواكبة الواقع المعاش، وتعبيراً عن المأزق الذي يعيشه القانون مع الواقع، فما كان بالإمكان سوى تجميل قبح القانون، للتغطية على تقادمه وانغلاق الأبواب في وجهه وقدرته على تلبية الاحتياجات المجتمعية المتغيِّرة بتغير الأزمان والأحوال والظروف.
لماذا يتردد أصحاب القرار في المضي قدما باتجاه إصدار القوانين العتيقة، وما هي مصادر تردده وتشككه إزاءها، ولماذا تصدر قوانين أخرى كقانون الضرائب مثلا بينما تتجمد فرائص البعض الآخر، بما يعني انتفاء عامل الانقسام السياسي أو تعطيل عمل المجلس التشريعي الذي يساق لتبرير عدم إقرار القوانين المُلح صدورها.
في اجتماع المجلس المركزي الأخير، سمعنا كلاما مفيدا وقانونيا من الرئيس، حول وجوب التزام الحكومة القادمة ببرنامجه والتزامها بالاتفاقيات والمعاهدات التي انضم إليها او وقعها كرئيس للدولة الفلسطينية.
لا شك أن التخوفات النسوية محقة، والتساؤلات المطروحة من قبل القوى الاجتماعية أيضا محقة ومشروعة. التخوفات بحاجة إلى تطمينات والأسئلة تنتظر إجاباتها الواضحة وضوح خطاب الرئيس في المجلس المركزي المنوه له أعلاه، والقلق كذلك طبيعي ومألوف في ظل توجهنا نحو فتح صفحة جديدة والوقوف على باب مرحلة نوعية، أحد أبرز معالمها وحدة النظام السياسي والأسس التي ستستند إليها لعدم تكرار ما وقع سابقاً في عام 2007.
فهل يسري على القضايا الاجتماعية ذات الأسس والمعايير المعتمدة في الواقع السياسي، ألا ينطبق على انضمام فلسطين إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ذات المعيار والمساطر التي تنطبق على حكم توقيع الاتفاقيات والمعاهدات السياسية والتزاماتها على الكلّ الفلسطيني..!.
أسئلة على قائمة الانتظار والبحث ومطروحة على الحوار الاجتماعي المطلوب والمنتظر عقده

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف