يتحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو مجددا عن خطوات أحادية الجانب ينبغي أن تقوم بها تل أبيب، وفي هذه المرة، يحيل نتنياهو ضرورة هذه الخطوات إلى منع قيام دولة ثنائية القومية.
وينضم إليه في هذا المجال ـ بل ويسابقه ـ نفتالي بينيت، رئيس «البيت اليهودي» الذي يعلن خطته في «إزالة» الجدار الفاصل وضم المنطقة ج إلى إسرائيل، ويترك الفلسطينيون يديرون أمورهم «بحرية» على ما تبقى تحت أقدامهم من أرض في المنطقتين أ و ب، مع اقتطاع ما يلزم منها لخدمة الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية.
وفيما يحاول من نتنياهو وبينيت تصوير ما يطرحونه كرد فعل «وقائي» على ما يقوم به الفلسطينيون من خطوات «أحادية»، إلا أن الوقائع على الأرض تؤكد أن تل أبيب في معرض استكمال السياسة التوسعية التي عملت على تنفيذها منذ عقود.
فما يطرحه رئيس «البيت اليهودي» بضم المنطقة ج إلى إسرائيل، لا يخرج عن كونه استكمالا لأهداف تقسيم مناطق الضفة الفلسطينية الوارد في آليات تنفيذ أوسلو، التي استندت في ذلك إلى معادلة «أرض أقل... سكان أكثر» فيما خص المناطق التي انتقلت إلى الولاية الإدارية للسلطة الفلسطينية.
والهدف من ذلك سعي تل أبيب الدائم إلى الخلاص من مغارم احتلالها للأراضي الفلسطينية والاحتفاظ بمغانمه. ووفق هذه الرؤية حددت خريطة الاستيطان الذي تريد نشره في الضفة مبتدئة بالقدس ومحيطها. كما رسمت مسبقا خريطة المناطق التي قررت إبقاء جيشها فيها على امتداد الحدود الشرقية مع الأردن وفي مواقع مختارة في أنحاء مختلفة من الضفة بما يخدم الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية.
وعلى الرغم من أن نبضات تسليم مناطق من الضفة إلى السلطة الفلسطينية قد أصيبت «بالسكتة» التفاوضية منذ وقت طويل، إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة توالت على تنفيذ الرؤية التوسعية الإسرائيلية ولم يحدث أن عطلت أي حكومة منها (أو أبطأت) وتيرة العمل في مصادرة أراضي الفلسطينيين وهدم بيوتهم ونشر الاستيطان في أرضهم.
من هذه الزاوية، لا تأتي أفكار رئيس «البيت اليهودي» تنويعا على السياسة الرسمية الإسرائيلية، بل هي تنطلق منها. وكل ما يطرح على لسان بينيت ـ وقد سبقه كثيرون ـ لا يخرج عن دائرة التسابق فيما بين أقطاب المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي باتجاه كسب المزيد من التأييد وحشد الأنصار في صفوف المجتمع الإسرائيلي الذي ضرب رقما قياسيا في معدل الانزياح نحو اليمين واليمين المتطرف فيما يخص التعامل مع الحقوق الوطنية الفلسطينية.
وانطلقت تل أبيب في تعاملها مع عملية التسوية التي طرحت قبل نحو عشرين عاما من زاوية رسم سقف محدد ومنخفض لما يمكن أن يحصل عليه الفلسطينيون في حال استكمل مسار التسوية ولم يتعطل. وكان أبرز ما رسمته في هذا المجال طبيعة الكيانية الفلسطينية التي يمكن أن تتولد عن هذه التسوية. وحددت الخط الأحمر الذي لا تسمح بتجاوزه في طبيعة هذه الكيانية ووظيفتها ربطا بالسياسة التوسعية والاعتبارات الأمنية الإسرائيلية.
لذلك، كان المفاوض الفلسطيني يصبح بالنسبة لتل أبيب خارج الشراكة في التسوية إن هو طالب بوقف الاستيطان أو حتى تجميده، وإذا خرج عن «قواعد» التسوية واتجه نحو الأمم المتحدة ومؤسساتها وسعى إلى تحكيم المجتمع الدولي تجاه ما يقوم به الاحتلال في الأراضي الفلسطينية.
ووفق هذه المعادلة لا تعترف تل أبيب بوجود «شأن فلسطيني» خاص أو داخلي. فهي ترى أنها معنية بكل تفاصيل الحياة الفلسطينية في الضفة والقطاع تحديدا.
من هنا، سارعت إلى التهديد والوعيد عندما وقع «اتفاق الشاطئ» وفعلت ذلك باتجاه اتفاقات فلسطينية ـ فلسطينية متعددة أنجزت بهدف استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، لأن حصول ذلك يضعف من فرص تغولها في سياستها التوسعية والعدوانية، أو على الأقل يقلل منسوبها.
والأمر لا يتعلق بحركة حماس وتشدد تل أبيب تجاهها، فالحركة موجودة وحاكمة في قطاع غزة الذي صنفته إسرائيل «كيانا معاديا». وهي تعرف أن «خطر» حماس عليها أقل في حال وجود حكومة وحدة أو وفاق فلسطينية تشارك فيها حماس وتلتزم النظام الأساس للسلطة الفلسطينية.
مشكلة تل أبيب في موضوعة استعادة الوحدة الفلسطينية تكمن في إدراكها بأن ذلك سيعيد الحالة الفلسطينية إلى حالتها الطبيعية، ويمكنها من الانتقال إلى وضع المبادرة السياسية، ويعطيها قوة الدفع اللازمة لحل أزماتها المتراكمة، وبالتالي ستختل عناصر عدة في ميزان القوى الذي يميل بحدة لصالح الاحتلال.
وما سيؤثر في ميزان القوى هذا لصالح الفلسطينيين، الانفتاح نحو الأمم المتحدة ومؤسساتها. ولذلك قابلت تل أبيب المسعى الفلسطيني بهذا الخصوص بالعداء والضغط والتهديد... بل وممارسة إجراءات عقابية متعددة الجوانب.
وهذا يؤكد مجددا صوابية المسعى الفلسطيني، كما يؤكد ضرورة استكماله، ليس فقط بالانتساب إلى جميع المؤسسات الدولية المتاحة، بل وفي الجوهر، تفعيل عضوية فلسطين في هذه المؤسسات ومقارعة الاحتلال من خلالها، وهذا هو الهدف من المسعى الفلسطيني الذي يتجاوز «شرف» عضوية هذه المؤسسات وحضور اجتماعاتها، وزيادة مساحة «الطيف» الديبلوماسي الفلسطيني!
ليس ثمة خلاف فعلي بين ما يطرحه نتنياهو وما يطرحه بينيت.. وربما الفارق يكمن في إبراز الأولويات التي يركز عليها الجانب الإسرائيلي في هذه المرحلة ربطا بالتطورات التي وقعت على الصعيد الفلسطيني الداخلي.
فما يريده نتنياهو هو وضع الحالة الفلسطينية، التي نأمل أن تستعيد وحدتها فعلا، أمام خيارات ضيقة بعيدة تماما عما حدده التوجه الفلسطيني الذي عبر عنه في المجلس المركزي الفلسطيني مؤخرا تجاه أسس التسوية وغيرها من القضايا.
• فهو في معرض ترسيم مجموعة من مشاريع القوانين في الكنيست الإسرائيلية، بما يضع مجموعة من المحددات «التشريعية» تجاه أفق حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، من بينها ما يتعلق بـ «يهودية دولة إسرائيل» وإطلاق سراح الأسرى، ويريد بذلك إغلاق الباب أمام أية مبادرات سياسية قادمة تسعى لإعادة البحث في قضايا عالقة وأدت إلى انهيار المفاوضات الأخيرة وخاصة فيما يتعلق بالاستيطان والأسرى، وإلى جانب ذلك أية اقتراحات بتوسيع ولاية السلطة الفلسطينية على مناطق أوسع. لأنه يعتبر ذلك بمثابة تقديم مكافأة للسلطة في الوقت الذي يجب فيه ـ برأيه ـ أن تعاقب على ما حصل بخصوص المسعى الفلسطيني وحكومة «الوفاق» الفلسطينية.
• ويشرع نتنياهو وحكومته في «هندسة» خريطة الاستيطان وتحصينها وتأمين تواصل المستوطنات «المعزولة» مع الكتل الاستيطانية، وترسيم كتل جديدة تدخل في مشروع ضم الاستيطان إلى إسرائيل.
• وفي الوقت نفسه، يستكمل تنفيذ الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية، وخاصة السعي لفرض الاحتفاظ بمنطقة غور الأردن، عبر تهجير أهلها بشكل منهجي، والبحث في تعزيز الاستيطان هناك، بما يخلق منطقة «مانعة» لأية تسوية يطالب فيها الفلسطينيون بوحدة أراضي الضفة وعدم تجزئتها وتقطيعها في سياق مشروعهم لبناء الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على جميع الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف