يشكل "مؤتمر هرتسليا"، الذي انطلق أمس الأول ويستمر حتى ظهر اليوم، ليس فقط مناسبة لعرض آراء الخبراء في واقع إسرائيل وفي مستقبلها، ولكن أيضا سوق عكاظ سياسي عرض فيه الساسة والعسكريون مواقف وآراء خاصة. وكان حفل هذا العام، كما هي العادة، يدور حول المخاطر الأمنية والسياسية التي تواجه الدولة العبرية. وفي هذا السياق برز رئيس الأركان الجنرال بني غانتس الذي هدد إيران بالضربة العسكرية ولبنان بإعادته سنوات إلى الوراء، كما برز وزير المالية يائير لبيد الذي هدد بإسقاط الحكومة إذا أقدمت على ضم مستوطنات كما يريد اليمين.
واستعرض رئيس الأركان الجنرال بني غانتس أوضاع الشرق الأوسط والتحديات التي تواجه أمن إسرائيل، فأشار إلى أنّ "استعداد إيران لمحاولة التوصل لاتفاق تظهر استحالة تجاهل صوت الشارع، وهو ما له حسنات وسيئات؛ إذ ستحاول إيران الحفاظ على قدرات كي تستعيد مشروعها لاحقا وتطوره. ولا يمكنها تجاهل صوت الشارع، لذلك هي لم تتنازل عن الرؤيا واضطرت للتوصل إلى حوار مع الأسرة الدولية". واعتبر أنه من الأفضل مواجهة إيران "بغير القوة، لكن إذا لم يكن مناص، فيمكن بالقوة، والمهم أن لا تصل إلى حافة نووية".
وأشار غانتس إلى سوريا حيث قال إنّ "المنظومة تتفكك. في نظري هناك ظاهرتان إشكاليتان جدا في سوريا، من ناحية تعاظم المحور الراديكالي، حيث تستثمر سوريا في حزب الله وإيران تستثمر في سوريا، وهكذا يتعاظم المحور الراديكالي. في المقابل فإنّ الجهاد العالمي يتعاظم هناك. وهاتان الظاهرتان سيئتان لإسرائيل. لدينا ربما 4 - 5 دول تملك قوة نارية أكثر من حزب الله. هذه قوة نارية هائلة تغطي كل إسرائيل".
وتحدث غانتس عن أنّ "الصورة الكلية هي انعدام استقرار حاد في المنطقة وينبغي لنا البقاء مستعدين دائما برغم تراجع الخطر التقليدي". وحسب كلامه، "يمكن في إسرائيل أن تحتسي قهوة في التاسعة صباحا وأن تنشب الحرب في الرابعة بعد الظهر". وشدد على أنّ "المنظومة تتغير، والتسويات لن تحدث نتيجة اجتماع رجلين يرسمان حدودا، هناك حاجة لعمل دولي وصيرورات تستمر عقدا من الزمن وأكثر. هناك فترة تحتاج مواجهة، والاضطرار هذا يخلق فرصة".
ولاحظ غانتس أنه "على المستوى العملياتي، نحن نرى تغييرات مثيرة في سمات الخطر، من جهة هناك خطر الجيوش وهو يتراجع. والخطر البري على إسرائيل تآكل، ومن جهة ثانية تنهض مخاطر جديدة ونذر سيئة لنا هي أن حزب الله برغم انشغاله فإنه يراكم خبرة هجومية ونحن سنلتقي بهذه الخبرة".
وتطرق غانتس إلى سيناء وتعاظم الخطر الجهادي، مشيرا إلى أنه إذا تخطى انعدام الاستقرار هناك الخطوط فسوف ينشأ واقع مغاير. وقد عدد من أسماهم "مقاتلي الجهاد" الموجودين في الشرق الأوسط عموما بحوالي "50 ألفا على الأقل، والمشكلة أن هذا عدو موزع كثيرا لكنه يقاتل من أجل هدف واحد". وأوضح أن هذا الخطر قائم أيضا في هضبة الجولان السورية وفي غزة وعلى طول الحدود مع مصر.
وفي النهاية قال غانتس إنه "إذا اختار حزب الله محاربتنا، فإن هذا سيأخذ لبنان عشرات السنين إلى الوراء. وحماس في غزة تفهم ما سوف يحدث حال القتال ضدنا. من ناحية ردعية حماس تفهم معنى القتال. ولكن ماذا عن باقي الجهاديين الذين يحاربون في هذه الجبهات؟ الردع لا يشملهم".
عموما أجمل غانتس كلامه قائلا إنّ "لدى إسرائيل عنصري تفوق هامين على محيطها: الأول لا مفر أمامنا وليس لنا مكان آمن آخر نذهب إليه كشعب، والثاني هو الرجال الذين ينبغي لهم الحفاظ على الحاضر وضمان المستقبل".
وقد تحدث عن لبنان أيضا مستشار الأمن القومي السابق الجنرال يعقوب عاميدرور الذي قال إنّ الوضع في الجنوب اللبناني قد يدفع إسرائيل لضرب المدنيين في حال مواجهة مع حزب الله. وقال إنه "في حرب لبنان الثالثة لن يكون مناص سوى ضرب المدنيين المقيمين فوق منصات إطلاق الصواريخ. وينبغي لنا قول ذلك علنا، والعالم لا يمكنه أن يوجه اتهامات لنا. لم تمنعوا حزب الله من إنشاء دولة داخل دولة، لم تمنعوا تسلحه وانتشاره داخل السكان المدنيين، إذن أنتم لا يمكنكم أن توجهوا لنا الاتهامات عندما يتضرر مدنيون. لقد أظهرنا للأمم المتحدة وللصليب الأحمر قرائن وهم لم يفعلوا شيئا".
وفي مؤتمر هرتسليا أيضا عرض وزير المالية يائير لبيد مشروعه لإتمام المفاوضات السياسية وللانفصال عن الفلسطينيين. ولحقه في هذا السياق أيضا كل من نفتالي بينت زعيم "البيت اليهودي" ووزيرة العدل تسيبي ليفني، حيث عرض كل منهما تصورا مختلفا وهما في الحكومة ذاتها، واختلف معهم جميعا زعيم "حزب العمل" اسحق هرتسوغ.
وأعرب لبيد عن معارضته المطلقة للتوسع في الاستيطان خارج الكتل الاستيطانية ورفضه رسم الحدود قبل الاتفاق على إنهاء النزاع. وأصر لبيد على أن لا حل من دون إشراك الدول العربية ووجوب "اتخاذ إسرائيل خوات من طرف واحد" بما فيها انسحابات من مناطق، ولكن عبر المحادثات مع الفلسطينيين. وحمل لبيد بشدة على المستوطنين الساعين للبناء "من منطلق أوامر إلهية"، معتبرا أن المستوطنات هي ما فجر المفاوضات. وشدد على أن التسوية مع الفلسطينيين هي ما سيمنع فرض العزلة على إسرائيل. وخلص إلى أنه إذا حدث ضم للمستوطنات فإن حزبه سيسقط الحكومة.
وندد وزير الخارجية الإسرائيلي افيغدور ليبرمان، أمس، بالمواقف المتباينة للوزراء من مفاوضات التسوية مع الفلسطينيين، مشددا على ضرورة وجود موقف مشترك إزاء هذا "الملف الحساس". وقال ليبرمان، في تصريح صحافي: "ظهر أربعة وزراء كبار الواحد تلو الآخر، وتكلم كل منهم باتجاه دبلوماسي مختلف، ما خلق مشهدا بشعا".

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف