ليس يسيراً ان تكون السفير السعودي في المملكه المتحدة. بادئ ذي بدء يتوجب عليك ان تنهمك بانكار ما لا يمكن انكاره: اي حقيقه ان العدوان الاسرائيلي علي غزه جاء بتمويل سعودي. انها بلا شك مهمه مهينه. الا ان الادهي والامر، انك بمجرد ما تفتح مدافع الغضب علي متهمي بلادك حتي يخرج زميل لك بما يناقض ما ذهبت اليه. والاسوا في كل ذلك، انه شقيق رئيسك في العمل. اذن، ماذا عسي الامير ان يفعل؟
في رده علي مقالي السابق، كتب الامير محمد بن نايف آل سعود يقول: “ان يظن اي انسان بان المملكه العربية السعودية، التي الزمت نفسها بدعم وحمايه حقوق جميع الفلسطينيين بتقرير المصير والسياده، يمكن ان تدعم عن علم ودرايه الاجراء الاسرائيلي فان ذلك يرقي الي اهانه في غايه القبح.” ومع ذلك، تراه يعترف بوجود “تعاملات” بين المملكه واسرائيل ولكن يزعم انها “تقتصر علي التوصل الي خطه للسلام”. ثم يقول:
“ان ابناء الشعب الفلسطيني اشقاؤنا وشقيقاتنا، سواء كانوا مسلمين عرب او نصاري عرب. اؤكد لكم ان المملكه العربيه السعوديه شعباً وحكومه لا يمكن ابداً ان تتخلي عنهم، ولن نفعل شيئاً يضر بهم ابداً، وسوف نبذل قصاري ما في وسعنا لمساعدتهم في حقهم المشروع في وطنهم وبحق العوده الي الاراضي التي سلبت منهم بغير وجه حق”.
لم يكد يجف حبر البيان الرسمي الصادر عن السفير السعودي في لندن حتي خرجت علينا صحيفه الشرق الاوسط بمقال كتبه الامير تركي الفيصل، الذي كان يشغل منصب السفير السعودي في المملكه المتحده قبل محمد بن نواف، كما كان يشغل من قبل منصب رئيس الاستخبارات السعوديه، وهو اخ لوزير الخارجيه الحالي سعود الفيصل. يلوم تركي الفيصل في مقاله ذاك حماس ويحملها المسؤوليه لاطلاقها الصواريخ ورفضها قبول المبادره المصريه لوقف اطلاق النار (التي لو قبلت لترتب عليها نزع السلاح من ايدي المقاومين). وهذا هو بالضبط موقف كل من اسرائيل ومصر.
فاي الموقفين يمثل المملكه العربيه السعوديه اذن؟ هل تدعم المملكه الفلسطينيين في مقاومتهم ضد الاحتلال؟ ام انها تدعم الحصار المفروض عليهم من قبل اسرائيل ومصر الي ان يتم نزع السلاح من غزه؟ هاتان سياستان مختلفتان تماماً كما هو واضح: دعم المقاومه الفلسطينيه ضد الاحتلال وانهاء الحصار المفروض علي غزه، او ابقاء الحصار كما هو الي ان تسلم جميع الفصائل اسلحتها. اما ان اسرائيل تقوم باباده جماعيه (وهذه كلمات قويه لك يا سعاده السفير) او ان المقاومين ما هم الا ارهابيون ينبغي تجريدهم من السلاح. قرروا، لو سمحتم، ما الذي ترغبون في ان تقوله المملكه، لانه ليس من الممكن التعبير عن موقفين متناقضين في نفس الوقت. لا يمكنك ان تبايع الفلسطينيين ثم تعطي اشاره من طرف خفي للقتله ليفتكوا بهم.
ثم، هل فعلاً تقتصر تعاملات المملكه مع اسرائيل “علي التوصل الي خطه للسلام”؟ لابد انك مطلع علي محتوي البرقيات الديبلوماسيه المتبادله بين الجانبين يا سعاده السفير. اذن، اطلعنا علي فحوي ما دار بين الامير بندر ومدير الموساد تامير باردو في احد فنادق العقبه في نوفمبر من العام الماضي. فقد سرب الاردنيون تفاصيل ما جري بينهما الي صحيفه اسرائيليه في ايلات. ماذا فعل بندر وباردو؟ ١) هل جلسا يستجمان في شمس الشتاء؟ ٢) ام تبادلا اطراف الحديث عن المبادره العربيه للسلام؟ ٣) ام خططا معاً لقصف ايران؟
ثم، لماذا يثرثر اصدقاؤك الاسرائيليون الجدد كثيراً؟ فعلي سبيل المثال، لماذا قال دان غيلرمان سفير اسرائيل الي الامم المتحده في الفتره من ٢٠٠٣ الي ٢٠٠٨ نهايه هذا الاسبوع: “لقد طلب منا ممثلون عن دول الخليج مراراً وتكراراً انهاء المهمه في غزه”. انهاء المهمه؟ قتل ما يزيد عن الف فلسطيني جلهم من المدنيين؟ هل هذا ما قصدته حين قلت” “ولن نفعل شيئاً يضر بهم ابداً”؟
ما من شك في ان الماساه التي ترتكب في غزه تكشف بوضوح عن اصحاب الادوار فيها. المثير للعجب في ذلك انهم جيمعاً حلفاء للولايات المتحده الامريكيه، ثلاثه منهم يوجد في اراضيهم قواعد عسكريه امريكيه والرابع عضو في حلف شمال الاطلسي (الناتو). من المفارقات ان تكون مشاكل الولايات المتحده الامريكيه في منطقه الشرق الاوسط ناجمه عن حلفائها الحميميين اكثر مما هي ناجمه عن اعدائها اللدودين.
في احد الفسطاطين تقف كل من اسرائيل والمملكه العربيه السعوديه والأمارات العربية المتحدة والاردن. وهذه الدول تعتبر نفسها صوت العقل والاعتدال، مع ان اساليبها عنفيه — لم يفصل بين الانقلاب العسكري الذي وقع في مصر والهجوم علي غزه اكثر من اثني عشر شهراً. وفي الفسطاط الاخر تقف كل من تركيا وقطر وجماعه الاخوان المسلمين وشقيقتها حماس.
الا ان علينا ان نميز بين الحكومات والشعوب، ونحن هنا نتكلم عن مواقف الحكومات لا مواقف الشعوب. ان السبب في تطرف حكومه المملكه العربيه السعوديه في معاداه حماس والاخوان المسلمين بشكل عام هو معرفتها جيداً ان شعبها لا يشاطرها الراي.
فقد وجدت مؤسسه راكين السعوديه لاستطلاعات الراي ان ٩٥ بالمائه من عينه تعدادها ٢٠٠٠ سعودي يدعمون استمرار فصائل المقاومه الفلسطينيه. فقط ٣ بالمائه عارضوا استمرارها. كما ان ٨٢ بالمائه ايدوا اطلاق الصواريخ علي اسرائيل بينما عارضه ١٤ بالمائه. كراهيه المملكه للاسلاميين ليست ناجمه عن اعتبار انهم يشكلون نموذجاً منافساً في تفسير الاسلام فحسب، وانما لانهم يقدمون للمؤمن بديلاً ديمقراطياً. هذا هو بالضبط ما يرعب النظام الملكي السعودي.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف