خطوة اللجنة العليا الفلسطينية لمواجهة القرصنة الإسرائيلية، خطوة اشتباكية تستحق أن تُرفع لها القبعة.
فقد شكل بيان رقم (1) الصادر عن اللجنة مبادرة هامة لمواجهة القرصنة الإسرائيلية والسطو على أموال الضرائب والمقاصة التي تحت يدها وسيطرتها. كما يمثل تشكيل اللجنة ونطاق عملها مقاربة لمبدأ العين بالعين، والسن بالسن. فقد تم الرد على سرقة أموال الشعب الفلسطيني منع دخول منتجات ست شركات إسرائيلية تغرق السوق الفلسطيني بحوالي سبعين بالمائة من حجم البضائع المعروضة، وكذلك منع دخول بعض الفواكه التي وصفها البيان بالغريبة عن نمط الغذاء الفلسطيني المعتاد.
البيان رقم واحد سيتبعه بيان ثان.. وهو ما يذكرنا ببيانات القيادة الوطنية الموحدة في الانتفاضة الأولى. حيث دأبت القيادة الوطنية الموحدة على مخاطبة المجتمع، بمحددات الموقف الوطني الجامع المعبِّر عن طموحاته من جهة، ويوحد وينظِّم الأنشطة والفعاليات من جهة أخرى، ولم تغض البيانات الطرف عن اختيار الفعاليات والمواقف المتناسبة مع قدرة المجتمع وتنسجم مع تحمله للأعباء والتبعات الملقاة على عاتقه وقاية للمجتمع من الكسْر والتراجع. لقد صهرت القيادة الموحدة القوى السياسية بكل أطيافها في بوتقة واحدة مع مكونات المجتمع وشرائحه الاجتماعية والطبقية، وتمكنت من أن تكون بمثابة المرجعية الوطنية في ظل غياب النظام السياسي الذي تلقى على عاتقه قيادة المجتمع.
لا يُقرأ البيان رقم (1) دون قراءة جملة المقابلات والتصريحات الصادرة عن اللجنة وعن رئيسها، من أجل فهم حدود وآفاق الخطوة – المبادرة. والمتابع يُلاحظ أن الرؤية التي يطرحها البيان الأول تؤكد أنها تحمل آليات تدرجية ومؤقتة ومشروطة، فعقوبة المنع مشروطة ومؤقتة باستمرار السطو على أموال المقاصة والضرائب، ومرتبطة بتراجع الاحتلال عن قرصنته وإعادته الأموال المصادرة.
كما ان العقوبات في نظر اللجنة لا تذهب باتجاه الاحتلال وحظر منتجاته من الدخول الى اسواقنا، بل وضع البيان عقوبات تدرجية على الصعيد المحلي، ولسان حالها يقول على هذا الصعيد يقول: «العصا لمن عصى»، التجار والموزعين والوكلاء، تبدأ من عقوبة ارجاع البضائع الممنوع دخولها مرورا باحتجازها وصولا إلى دفع المخالفين للغرامات المالية.
عن وعي وإصرار، حرصت اللجنة العليا للعقوبات على عدم الربط بين عمل لجنتها وبين حملات مقاطعة البضائع الإسرائيلية، لكن الخطوة ستخدم حملات المقاطعة، عدم الربط بين الحملتين إدراكاً من لجنة العقوبات أن حملتها تدرجية ومؤقتة، بينما حملات المقاطعة شاملة ومستمرة، بل يجب ان تتسم بالاستمرارية والشمولية لارتباط عملها بأهداف عديدة وواسعة تتعدى المقاطعة الاقتصادية، حيث تستهدف إعادة بناء البعد القيمي والثقافي للمقاطعة، من أجل تحويلها إلى أسلوب ونمط حياة، علاوة على وضعها المستقبل نصب عيونها، مستقبل إنهاء الاحتلال والحرية والاستقلال الوطني ومتطلباتهما القائمة على نبذ وترشيد الاستهلاك الباذخ وبناء الاقتصاد الوطني، ولأن على الاحتلال أن يدفع ثمن احتلاله وعدوانيته ومجازره إلى الأبد.
إسرائيل تتناقض في توصيف الأثر الذي سيحدثه قرار منع دخول منتجات الشركات الإسرائيلية الست على اقتصادها. فالبعض منهم يقلل من أهمية المنع بشكل استعلائي، ويعتبر أثر القرار هامشيا ولا يكاد يذكر، تأسيسا على ان بضائع الشركات الممنوعة منخفضة السعر والأرباح، وتعتبر ان الفلسطيني يعاقب نفسه لأن المنتجات الرخيصة تتناسب مع مستوى دخل المستهلك الفلسطيني المحدود إضافة إلى كونها أساسية.
بينما البعض الآخر من الإسرائيليين يعتبر ان قرار المنع مؤثر وسيلحق الضرر بهم، لكون السوق الإسرائيلي يشهد حالة من الركود والتراجع في نسب المبيعات العامة في إسرائيل.
أعتقد ان أثر القرار أعمق وقيمته أبعد من إلحاق الخسائر المادية بالاحتلال فقط، لأن قيمة قرار المنع في انطوائه على التعامل مع الاحتلال بالمثل وكأنداد، وهو التصرف الذي لم تعتد عليه إسرائيل من الفلسطيني، وتخفي مفاجأتها تحت دخان التقليل من قيمته المادية والتركيز على الأثر التجاري للمنع.
قيمة القرار برسائله ذات القيمة الربحية العالية، رسالة الى الشركات المنتجة بتحسين جودة بضائعها وتوسيع إنتاجها لتغطية احتياج السوق وخلق فرص عمل، ورسالة الى المستهلك للاعتياد على التفاعل مع البضاعة الوطنية والاعتياد عليها، وجرس أنذار للوكلاء والتجار. والرسائل الأهم للاحتلال: رسالة التوجه نحو تطوير وتغيير قواعد اللعبة، ورسالة التعامل كأنداد.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف