ماذا يجري في قطاع غزّة؟ هل صحيح أنّ حركة حماس تقوم بقمع المؤيّدين للدولة الإسلاميّة؟ والسؤال الذي يُثير الاهتمام أكثر: ما هو سر القلق الإسرائيليّ ممّا يحدث في غزّة، وتحديدًا في حركة حماس؟ يبدو، أنّ صنّاع القرار في تل أبيب، باتوا يُدركون أنّ حماس هي “أهون الشرور”، وللتدليل على ذلك، يكفي في هذه العُجالة الإشارة إلى تصريحات قائد المنطقة الجنوبيّة في الجيش الإسرائيليّ، الجنرال سامي تورجمان، في بحر الأسبوع الماضي، عندما قال إنّه لا يوجد أيّ بديل عن حركة حماس لضبط الأوضاع في قطاع غزّة، مُشدّدًا على أنّ السلطة الفلسطينيّة عاجزة عن إدارة الأمور في القطاع.
في هذا السياق رأت دراسة جديدة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، التابع لجامعة تل أبيب، والمُرتبط عضويًا بالمستويين الأمنيّ والسياسيّ في إسرائيل، رأت أنّه من المُمكن جدًا إنْ يتّم التعاون والتنسيق غير المُباشر بين إسرائيل ومصر وحركة حماس في إطار مساعي هذا الثلاثي، بحسب الدراسة الإسرائيليّة، لكبح جماح انتشار الدولة الإسلاميّة في قطاع غزّة، لافتةً إلى أنّ هذا التعاون سيتّم على الرغم من أنّ مصر تتهّم بصورةٍ علنيّةٍ حماس بأنّها تُقدّم المُساعدات لتنظيم (أنصار بيت المقدس) الناشط في سيناء، والذي بايع الدولة الإسلاميّة، وذلك عن طريق عدم اعتقالهم وتسهيل عبورهم إلى غزّة ومنها عودةً إلى سيناء، حسبما ذكرت الدراسة.
وتابعت أنّه من المُمكن إذا قامت حماس بإصرارٍ شديدٍ وشاملٍ بالعمل ضدّ التنظيمات السلفيّة الناشطة في قطاع غزّة، فإنّ من شأن ذلك، أنْ يؤدّي إلى تحسين العلاقات مع النظام المصريّ، بقيادة المُشير عبد الفتّاح السيسي، الذي أعلنه عن مواقفه المُتشدّدة من حركة حماس، ولكن هذا التحسّن، لفتت الدراسة، سيكون بشكلٍ تدريجيٍّ، كما أكّدت الدراسة الإسرائيليّة.
وساقت قائلةً إنّه في الفترة الأخيرة تعاظم الخلاف العسكريّ بين حماس والحركات السلفيّة في قطاع غزّة، التي تؤيّد الدولة الإسلاميّة، وعلى هذه الخلفيّة قام عناصر الأمن التابعين لحماس باعتقال عشرات النشطاء المؤيّدين للدولة الإسلاميّة، وحتى أنّهم قاموا بهدم مسجدٍ سلفيّ في دير البلح، على حدّ زعم الدراسة، التي أضافت أنّ هذه المُناوشات بين حماس والحركات السلفيّة ليست بجديدةٍ، ذلك أنّ الفوارق الأيديولوجيّة بين حماس والسلفيين شاسعة جدًا، إذْ أنّه في الوقت الذي تتبنّى فيه حركة حماس مبدأ الإخوان المسلمين البراغماتيّ، تطالب الحركات السلفيّة بتطبيق مبادئ الشريعة الإسلاميّ فورًا.
ورأت الدراسة أنّ الإعلان عن الدولة الإسلاميّة قبل سنة وتنصيب أبو بكر البغداديّ خليفة لها جرّت العديد من التنظيمات السلفيّة في قطاع غزّة إلى الإعلان عن تأييدها للدولة الإسلاميّة، الأمر الذي أدّى إلى زيادة حدّة التوتّر مع حركة حماس، ولكن مع ذلك، توصّل الطرفان على اتفاق غير مكتوب بعدم شدّ الحبل أكثر. علاوة على ذلك، زعمت الدراسة الإسرائيليّة أنّ العديد من النشطاء في حماس تركوا الحركة وانضموا إلى حركة (أنصار بيت المقدس)، التابعة للدولة الإسلاميّة، وبات قطاع غزّة مسرحًا مفتوحًا للدولة الإسلاميّة لتجنيد نشطاء جدد في الدولة الإسلاميّة.
وقالت الدراسة أيضًا إنّ لإسرائيل مصلحةً عُليا في تأجيج الصراع بين حماس والسلفيين، كما أنّها تُحبّذ إقامة إمارة للدولة الإسلاميّة في منطقةٍ ما من قطاع غزّة، مدعومة من البغداديّ، لافتةً إلى أنّ انتقادات السلفيين لحركة حماس تتمحور في سياساتها الهادئة ضدّ “العدو الصهيونيّ” وعدم السماح لها بإطلاق الصواريخ باتجاه المستوطنات الإسرائيليّة الواقعة في جنوب الدولة العبريّة. بالإضافة إلى ذلك، أوضحت الدراسة الإسرائيليّة أنّ الوضع الاقتصاديّ لسكّان القطاع يزيد من حملة الانتقادات ضدّ حركة حماس، كما أنّ عدم البدء في إعادة ترميم القطاع الذي تمّ تدمير قسمًا كبيرًا منه في الحرب الأخيرة، الصيف الماضي، يزيد الطين بلة، وبالتالي، رأت الدراسة أنّ الاتفاق غير المكتوب بين حماس والحركات السلفيّة ليس مٌقدّسًا، وأنّه في نهاية المطاف ستقوم الحركات السلفيّة الجهاديّة بإطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل. علاوة على ذلك، لفتت الدراسة إلى أنّ الوضع المُركّب والمُعقّد الذي أنتجته الدولة الإسلاميّة في منطقة الشرق الأوسط، أوجد تحالفات عجيبة غربية مثل حزب الله وجبهة النصرة في حربهم ضدّ الدولة الإسلاميّة، والأمر ينسحب على المصالح الـ”مُشتركة” بين إسرائيل وحماس في مُحاربة الحركات السلفيّة-الجهاديّة في القطاع، كما أنّ صنّاع القرار في تل أبيب يخشون من انتقال هذه الحركات من قطاع غزّة إلى الضفّة الغربيّة المُحتلّة، حسبما أكّدت الدراسة.
وبناءً على ما تقدّم، قالت الدراسة، إنّه من غير المُستبعد بتاتًا أنْ يؤدّي الوضع إلى خلق “تحالف ثلاثيّ” يشمل مصر، إسرائيل وحماس لصدّ انتشار الدولة الإسلاميّة في قطاع غزّة. وبالنسبة لإسرائيل، أوضحت دراسة مركز أبحاث الأمن القوميّ في تل أبيب، فإنّ العمل الجاد لحركة حماس ضدّ الحركات السلفيّة-الجهاديّة، ومنعها من إطلاق الصواريخ باتجاه جنوب الدولة العبريّة، سيحثّ إسرائيل على مواصلة التسهيلات التي تمنحها في الفترة الأخيرة لسكّان قطاع غزّة، لأنّه بالنسبة لتل أبيب فإنّ وقف إطلاق الصواريخ هو شرط لا يُمكن التنازل عنه، وبالتالي إذا أتثبت حماس قدرتها على لجم الحركات السلفيّة، فإنّ هذا الأمر سيقود إلى تهدئةٍ طويلةٍ الأمد بين حماس وإسرائيل من ناحية، ومن الناحية الأخرى، سيُساهم في الحرب الدوليّة الدائرة اليوم ضدّ توسّع وانتشار الدولة الإسلاميّة، على حدّ قول الدراسة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف