يتركز اهتمامنا في الاشهر الاخيرة على ارهاب طعن السكين من الفلسطينيين. ولكن بالتوازي له تكاد تكون كل الوقت مظاهرات عنف في يهودا، السامرة، منطقة القدس وامام الجدار في قطاع غزة. وفي اثناء هذه المظاهرات ترشق الزجاجات الحارقة والحجارة نحو قواتنا، تحرق اطارات السيارات، وفي قليل من الحالات تنفذ عمليات اطلاق نار بالسلاح الناري. ثلث القتلى الفلسطينيين على الاقل منذ بدء ارهاب السكاكين قبل نحو ثلاثة اشهر، هم متظاهرون كانوا في مقدمة المظاهرات.
ما الذي يميز مظاهرات العنف هذه، وما الذي يميز القتلى الفلسطينيين في اثنائها؟ "مركز المعلومات للاستخبارات والارهاب" التابع لمركز إرث الاستخبارات نشر في هذه الايام بحثا للموضوع مع نتائج مشوقة. أولا بالنسبة للقتلى. يوجد وجه شبه شديد بينهم وبين القتلى في عمليات السكين. معظمهم شبان، ابناء 18 – 27، عزاب، بعضهم كانوا طلابا أو تلاميذ ثانوية. الكثيرون منهم من سكان الخليل، القدس أو رام الله. فما هو وجه الاختلاف بينهم وبين الطاعنين؟ بينما الاخيرون عملوا بشكل شخصي تماما، دون صلة بمنظمات الارهاب (الا في حالة واحدة) فان قتلى المظاهرات يتماثلون في مستويات مختلفة من العلاقة مع المنظمات؛ في يهودا والسامرة مع فتح، وامام الجدار في قطاع غزة مع حماس والجهاد الاسلامي. وفضلا عن ذلك، يبرز العدد الكبير نسبيا من "المتظاهرين المهنيين"، ممن شاركوا في الماضي في مظاهرات عنف وكانوا محبوسين عندنا.
ويجلبنا هذا الى طبيعة المظاهرات. فهي ليست عفوية (مثل ارهاب السكاكين)، بل منظمة ومؤطرة. المنظم البارز في يهودا والسامرة وفي منطقة القدس هو فتح برئاسة ابو مازن. منظمون آخرون هم اتحادات الطلاب، الاتحادات المهنية، وبالطبع، حماس في قطاع غزة. في وسائل الاعلام الفلسطينية تنطلق دعوات للجمهور للمجيء والتظاهر، فيما ان ايام الثلاثاء والجمعة هي ايام ثابتة للمظاهرات. معظمها تتم في الخليل وفي محيطها، وبعدها تأتي منطقة القدس، رام الله وبيت لحم.
وها هي النقطة المركزية: المظاهرات ليست جماهيرية. مظاهرة عادية تضم بضع عشرات حتى بضع مئات. ليس لنا في هذه المرحلة مظاهرات كبرى مثلما في الانتفاضة الاولى وكذا الثانية. لماذا؟ سبب واحد يعود أغلب الظن الى السلطة الفلسطينية ومنظمة فتح، خوفا من ان تخرج المظاهرات عن السيطرة، مما من شأنه عمليا ان يؤدي الى انهيار السلطة الفلسطينية.
السبب الثاني، والاكثر جوهرية، هو أن معظم الجمهور الفلسطيني لا يستجيب لدعوات الخروج الى المظاهرات. سواء لانه مشغول البال في شؤونه اليومية، أم لانه لا يزال في معظمه مخدوشا ومكويا بشدة من المصيبة التي اوقعتها عليه الانتفاضة الثانية. إذن صحيح انه حسب الاستطلاعات فان قسما كبيرا منه يؤيد الانتفاضة الجديدة، ولكن حاليا على ما يبدو، يبقي المواطن الفلسطيني المهامة لجاره. ومثل حماس في غزة: تدعو وتحريض كل الوقت لانتفاضة في الضفة، وتحرص على الحفاظ على الهدوء عندها.
هذا هو وجه الامور كما يبدو الان. هل هكذا سيكون لاحقا أيضا؟ صعب الجواب على هذا السؤال. ولكن اضيف هنا شيئا مبدئيا: يجب العمل على كل المستويات، بما في ذلك السياسي، لمنع انتفاضة جماهيرية وعنيفة. اما اذا اندلعت فاننا وان كنا سنجتاز فترة غير سهلة، ولكن بالنسبة للفلسطينين ستكون هذه مصيبة حقيقية، خطأ آخر في مسلسل الاخطاء التاريخية لهم. إذن فليكفوا عن تهديدنا صبح مساء بالانتفاضة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف