لقد أدخل بنيامين نتنياهو معيارا جديدا الى النقاش الجماهيري. فمنذ الآن لدينا "ارهاب صغير" لليهود و"ارهاب كبير" للفلسطينيين. "الارهاب العربي الذي يهاجمنا أكبر بكثير... والجماعة التي تظهر هناك هي جماعة متطرفة وهامشية ولا تمثل الصهيونية الدينية"، قال نتنياهو عن تسلسل الارهاب الذي يتم تحديده الآن بناءً على عدد العمليات وحجمها والتمثيل الذي يأخذه الارهابيون على أنفسهم.
كذب نتنياهو "الصغير" هو محاولة لتصغير الارهاب الصغير من خلال مقارنته بالارهاب الفلسطيني "الأوسع". لكن الحجم لمن يريد المقارنة لا يحدد أي شيء. "ارهاب صغير"، "لا يمثل الصهيونية الدينية"، قتل اسحق رابين، الفتى محمد أبو خضير. نعم، وأحرق عائلة دوابشة. اذا هذا الارهاب لا وجود له مقابل الارهاب الفلسطيني.
لكن هذا الكذب الصغير له أخ كبير، أكثر تهديدا. وهو يوجد في محاولة التمييز بين الصهيونية الدينية وبين أحفادها الارهابيين. هذا التفسير قدمه حاييم لفنسون في "هآرتس" في 27 كانون الاول، وهو يقول إن الارهابيين اليهود ليسوا نتاج الثقافة الحاخامية الاستيطانية بل نتاج "الرد عليهم". وهذا لا يعفي هؤلاء الحاخامات من مسؤوليتهم على جرائم اخرى أو حركة الرأس التي أظهروها حينما شاهدوا كيف تنمو هذه الثمار السامة. نتنياهو يفضل أن ينسى حقيقة أن الارهابيين خرجوا من رحم الحركة الأم وتربوا وترعرعوا في أحضان حاخاماتها وتعلموا "نظرية الملك" وامتصوا إرث الخلايا السرية اليهودية. وفي نهاية المطاف قرروا الانفصال عن التيار المركزي واقامة تنظيم ارهابي.
يمكن مقارنتهم بمنظمة "ليحي" التي انفصلت عن "الايتسل" وتم الاعلان عنها كتنظيم ارهابي من قبل البريطانيين والحكومة المؤقتة. لو كانوا آباء ايديولوجيين، كما حظي هو بالاعتراف والاحترام القومي في 1980 عندما اعترفت الدولة بنصيبه في اقامة الدولة، ايضا فان الارهابيين "الصغار" اليوم سيتحولون الى ابطال الصهيونية الدينية.
حسب قائمة فرق الارهاب الكاذبة لنتنياهو فان الصهيونية الدينية تُقسم الى قسمين: صهاينة دينيين ارهابيين وغير ارهابيين. قادة الصهيونية الدينية ومنهم الآباء المؤسسين هم الخلايا السرية اليهودية ومؤيدو باروخ غولدشتاين "هم السلطة" مثل أقوال نفتالي بينيت. لذلك هم لا يحتاجون الى مزيد من الارهاب، لكن يجب ضبط النفس في التصفيق لاقوال الاستنكار التي خرجت منهم لأن "الارهاب الصغير" اليهودي لا يعكس صراعا داخليا من اجل السيطرة على الصهيونية الدينية. يريد الارهابيون اليهود، وسينجحون، الاستيلاء على الصهيونية الدينية ومنع تمثيلها للدولة اليهودية. "المقدسون المعذبون" الذين يحقق معهم "الشباك" يمثلون الآن نتنياهو والمستوطنين والعلمانيين ودولة اسرائيل.
سيكون من الخطأ القاء مسؤولية اقتلاع هؤلاء الارهابيين على الصهيونية الدينية، هذا المجال الذي فشلت فيه بشكل كبير. المقارنة التي تتم بين ارهابيين يهود وبين الصهيونية الدينية هي أمر تضليلي موجه، الامر الذي سيظهر الصهيونية الدينية بريئة وطاهرة. والمقارنة المطلوبة هي بين الصهيونية الدينية التي تفسر لدولة اسرائيل جوهرها اليهودي بشكل راديكالي وغير ديمقراطي وبين الاغلبية العلمانية الليبرالية التي تناضل بنجاح محدود من اجل بقاء بعض القيم الانسانية العالمية.
"تسلسل الارهاب الهرمي" كما يصفه نتنياهو هو قلب الصهيونية الفاسدة التي تشجع سيطرة ايديولوجيا الحاخام كوك على الدولة وقوانينها مقابل التعاون في التصريحات ضد الارهاب اليهودي. وفي الوقت الذي تنفعل فيه الاغلبية العلمانية من زعزعة رؤساء المستوطنين، من عرس الكراهية، يستطيع نتنياهو والصهيونية الدينية الرقص في عرس خاص بهم حيث تُطعن فيه صورة الصهيونية المصفرة بالسكين.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف