تتباهى الولايات المتحدة في أن تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) فقد 30 في المئة من الاراضي التي احتلها في السنتين الاخيرتين في ما كان ذات مرة سوريا والعراق، ولهذا فانها تتوقع تصفيته التامة. هذه صورة جزئية للوضع تبدو مثل الدعاية لتعزيز الثقة بالنفس.
لا شك أن الجيش العراقي، بمساعدة جوية مكثفة أمريكية، يتجرأ أكثر، واعاد للشيعة اراض في تكريت وفي الرمادي السنيتين، شمال وغرب بغداد. ولكن ليس فقط المعارك في الرماي كانت فقط في قسم من المدينة الكبرى، بل انها لم تنتهي وحتى توقفت من ناحية الجيش العراقي. لا يوجد يوم لا يبادر فيه داعش هناك، مثلما في مناطق اخرى، الى هجمات انتحاريين تؤدي الى قتل عشرات الجنود العراقيين، معظمهم ان لم يكن كلهم شيعة.
عمليا، تدور رحى حرب استنزاف يومية في العراق، فيما أن داعش يحتل احيانا الاراضي، ومرة اخرى تسقط في يد الجيش العراقي، وهلمجرا. كل شيء سائل. الموصل والرقة لا تزالان تحت سيطرة قوية من التنظيم الجهادي، حتى بعد سنة ونصف من القصف الامريكي واربعة اشهر من التدخل الجوي الروسي. والان، عندما يتعزز التحالف السني الاقليمي ضد الشيعة، قيادة السعودية، لا شك ان داعش سيكسب جراء ذلك.
ولكن ما لا يشير اليه الامريكيون هو أن داعش يسيطر في هذه الايام بالذات على اراض واسعة جديدة في اماكن اخرى، ولا سيما في ليبيا، في اليمن وفي افغانستان. في ليبيا يضم التنظيم المزيد فالمزيد من الاراضي على طول الشاطيء، على شفا اوروبا، وفي جنوب الدولة. يسيطر داعش في ليبيا على قاطع شاطيء يمتد 180 كم، من سيرت وحتى سدرا – ما يعني مليوني مهاجر آخرين الى اوروبا، لان هذه الهجرة اصبحت من ناحية داعش مصدر دخل. وهذا الاسبوع مثلا، يحاصر مقاتلو التنظيم ويقصف ميناء سدرا، حيث يريد التنظيم السيطرة على منشآت النفط التي تساوي المليارات. والان هو الوقت لقصف المنطقة، قبل أن يتمترس هناك.
في اللحظة التي يرتبط فيها داعش من جهة جنوب ليبيا مع بوكو حرام في وسط افريقيا، ستتحد مملكتان جهاديتان لخلق كيان جديد ومهدد على نحو خاص. فتعزز داعش في شرق ليبيا يهدد مباشرة الاستقرار في مصر ايضا، ولا سيما عندما يستولي التنظيم على اراضي في صحراء سيناء، بما في ذلك الفروع في قطاع غزة.
ومن "يحرر" اراض من ايدي داعش في العراق وفي سوريا؟ المشاكل الطائفية. الاكراد يستولون على أراض سُنية، وهكذا يعظمون الاشتعال مع تركيا، التي بذاتها تعيش مثابة حرب أهلية طائفية. الشيعة يسيطرون على مناطق سنية صرفة، مثل تكريت، ما يشعل نار تصفية حسابات لاجيال.
ولكن حتى لو فقد داعش كل المناطق التي سيطر عليها، فستستولي على مكانه منظمات جهادية أكثر تصميما وكراهية. فالى اين سيذهب 80 الف من مقاتليه؟ حتى لو قتل ربعهم، فان الباقين سيتوزعون في الميدان، بما في ذلك في اوروبا. بمعنى أن الانتصار على التنظيم مثله كالهزيمة وتوسيع الفوضى. فاليوم الذي يكف فيه داعش عن الوجود، فان نار الطائفية، العرقية، القبلية والثأر ستتصاعد فقط الى السماء – وهذا الاشتعال سيشعر به جيدا الاوروبيون ايضا.
لقد أمل الامريكيون في أن يضاف الى الضغط العسكري مفاوضات سياسية بين السنة والشيعة وحلفائهم، في سوريا وفي العراق ايضا. ولكن لم يكن لهذا أمل من البداية. والان، مع كشف الاسنان بين السعودية وايران، ثمة غير قليل من المحافل في الشرق الاوسط التي تفضل أن يبقى داعش، لان البديل اسوأ منه من ناحيتهم.
الخطيئة والعقاب. داعش هو العقاب على الخطيئة التي القى بها الامريكيون على الشرق الاوسط مع محاولاتهم لفرض الديمقراطية. والان بات هذا متأخرا – سواء من ناحية الخطيئة أم من ناحية العقاب.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف