قبل بضع سنوات دخلت الى محل جزار في مدينة سخنين. واذا لم يكن مخطئا، قد أكون رويت هذه القصة ذات مرة، هنا أو في صفحات اخرى من الصحيفة. ولم يكن هدفي أن اشتري، لا لحما ولا سمكا. فقد تبين ان صاحب محل الجزارة كمحادث مثير للاهتمام، وتفرع الحديث وطال. في مرحلة ما لاحظت أن الرجل يتحدث عن وسط مقابل وسط: الوسط العربي يفعل هكذا وهكذا، الوسط اليهودي يفعل هكذا وهكذا. "لحظة"، أوقفته، "نحن لسنا وسطا. نحن الاغلبية".
"اذا كنا نحن وسطا، فأنتم ايضا وسط"، اجاب الرجل بارتياح. وكانت هذه جملة تأسيسية: في تلك اللحظة فهمت أن تعبير "وسط" يمكن أن يكون شيئا مهينا. الوسط هو مقطع من الشيء الكامل، شيء ما يمكن ظلمه، تجاهله، بل وحتى القاؤه عندما يروق لك. الوسط هو تعبير يستدعي الهزء في برامج السخرية. وهو يستدعي الهزء ليس فقط عندما يدور الحديث عن العرب؛ بل وكذلك عندما يدور الحديث عن الاصوليين، او المستوطنين. الوسط هو أقلية.
عندما زار نتنياهو شارع ديزنغوف في تل أبيب، غداة العملية هناك، التقى خطابا اتهم فيه عرب اسرائيل بانهم "دولة في داخل دولة". دولة هو تعبير محترم اكثر من وسط، محترم اكثر بكثير، ولكن ليس الاحترام هو ما كان امام ناظر الخطيب. فقد وضع الاصبع على واقع قائم، واقع بشع، لا يطاق، تفاقم في فترة ولايته كرئيس للوزراء. وقد بحث عن مذنبين، ووجدهم – مليون ونصف مذنب.
الوسط العربي ليس الوحيد الذي يعيش كدولة في داخل دولة. وسط المستوطنين هو الاخر يتصرف بمفاهيم معينة كدولة داخل دولة. ناهيك عن الوسط الحريدي – الاصولي. كل وسط وتطلعات الحكم الذاتي لديه. كل وسط ومزاياه، كل وسط وانتهاكاته للقانون. للقصورات في انفاذ القانون في الاوساط المختلفة مسؤولة قبل كل شيء الحكومة. هذه هي سياستها، وهذه هي ارادتها.
ان الكميات الهائلة للسلاح غير القانوني وللجريمة بحق الجسد والممتلكات في الوسط العربي هي مثال جيد: فلو لم تحبذ الشرطة ان تتجاهل على مدى السنين هذه الظاهرة، لما كانت توجد، وبالتأكيد ليس على رؤوس الاشهاد. ليس مريحا الاعتراف بذلك. ولكن يوجد غير قليل من الحق في احتجاج النواب العرب الذين يقولون: عندما قتل العرب عربا بسلاح غير قانوني تجاهلتم؛ فما الذي يجعلكم تقفزون الان، عندما يقتل عربي يهوديين بسلاح قانوني.
احد البنود في قرار الحكومة حول خطة تنمية بلدات الاقليات يتحدث عن تخصيص 750 مليون شيكل في غضون خمس سنوات لاقامة محطات شرطة في الوسط. وافترض أن ينفذ هذا البند: هذه هي المساهمة المتواضعة لنشأت ملحم للامن الشخصي لمواطني اسرائيل، يهودا كانوا أم عربا. ولكن السؤال ماذا سيحصل للبنود الاخرى مفتوح. فجهتان في القدس فقط ملتزمتان به حقا: رئيس الدولة رؤوبين ريفلين والاصلاحيون في قسم الميزانيات في وزارة المالية.
أقرت الحكومة أمس خطة خماسية اخرى، من 2 مليار شيكل، لتنمية البلدات الدرزية والشركسية. وفي بيان احتفالي نشرته الحكومة نسبت الحظوة عن القرار لرئيس الوزراء، ولكنها لم تكلف نفسها عناء الايضاح ما هي العلاقة بين هذه الخطة وتلك (هذه خطة قديمة، اقرت في الماضي، قالت لي الناطقة بلسان المالية أمس. لا علاقة بين الخطتين. ولا أزال يصعب علي أن افهم، فاذا كانت الخطة قديمة فعلام الاحتفال، واذا كانت جديدة فلماذا تمول بالميزانية مرتين لذات الهدف ولذات الاوساط في ذات السنين؟
باختصار، فان التصدي لانصراف الدولة عن مسؤوليتها عن اوساط معينة يتطلب تفكيرا اكثر جدية بكثير، مالا كثيرا، وبالاساس نية طيبة. فعرب اسرائيل لم يتمتعوا حتى اليوم بهوامش النية الطيبة في حكومات اسرائيل، وبالتأكيد ليس في تشكيلة الحكومة الحالية. فهم لم يكونوا على جدول الاعمال.
تدفع موجة الارهاب الحالية باليهود يمينا؛ والتمييز بين الفلسطينيين من سكان الضفة والعرب والمواطنين الاسرائيليين يتشوش. "هو مواطن، ولكن عربي"، قالت في مقابلة مع القناة 2 سيدة محترمة من رمات افيف ج، ولم تشعر بذرة من عدم الارتياح. الحكومة تركب هذه الموجة وتعظمها. الحكومة ايضا، مثل السيدة اياها، تؤمن بان العربي شيء والمواطن شيء آخر.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف