فضلا عن القدس التي بين الاسوار، فان الخليل هي الاكثر تفجرا بين كل المدن التي سيطرت عليها اسرائيل في حزيران 1967. فقد اطلق المستوطنون فيها خطتهم التدريجية للسيطرة على المناطق التي خصصتها الحكومة للمساومة مقابل السلام. والتوتر بين المسلمين واليهود، في الخليل بشكل عام وحول الحرم الابراهيمي بشكل خاص، ادى الى اعمال قتل من الطرفين. وتقسيم القدس الى منطقتين في اتفاق اوسلو لم يضعف المواجهة. وفي سلسلة هجمات ارهابية منذ بداية تشرين الاول من العام الماضي انتقل مركز ثقل الارهاب من القدس الى الخليل، وقوات الامن مطالبة بجهد كبير وعنيد لابقاء الغطاء فوق الوعاء المتلظي.
غير أن محفل واحد على الاقل، مسنود باسياده السياسيين – او ربما بالجنود – غير معني بالهدوء في الخليل. فالمستوطنون، الذين يبادرون الى اقتحامات للبيوت واستيلاء على الاراضي، يفعلون كل شيء كي يستفزوا الفلسطينيين والسلطات واثارة الخواطر في الميدان. اما الاجتياح يوم الخميس الماضي لبيتين فارغين قرب الحرم الابراهيمي فلم يكن مجرد عمل لتحقيق حقوق عقارية كما يدعون بل زق اصبع في عيون الفلسطينيين، الجيش – الذي هو صاحب السيادة في المناطق – والحكومة. فقد كان المقتحمون يعرفون جيدا بان قوات الامن ستأتي لاخلائهم. وكانوا يحتاجون الى صورة الاخلاء كي يعظموا مكانتهم في الصراع الداخلي في دوائرهم.
وتجند وزراء من البيت اليهودي ومن الليكود بدعم المقتحمين، بالتعارض مع سياسة الحكومة التي مثلها وزير الدفاع موشيه يعلون بجسده تقريبا. اما رئيس الوزراء، الذي وان كان ساند يعلون بالقول "كلنا ملزمون باحترام القانون"، الا انه فزع من الضغط ووعد المستوطنين بانه لا يفصل بينهم وبين الممتلكات سوى الاوراق. وفي مكتبه حاولوا مصالحتهم واثنوا على "صمودهم الشجاع والمصمم ضد الارهاب". هذا قول جبان، يتنكر للواقع، وينبع اساسا من تخوف بنيامين نتنياهو ومن شعبية خصميه السياسيين اللذين يتآمران عليه، نفتالي بينيت وافيغدور ليبرمان.
لقد ساهم الاستيطان في الخليل على مدى السنين، بما في ذلك اقتحامات البيوت، مساهمة حاسمة في الارهاب. ومن مثل نتنياهو درج على أن يتهم السلطة بالتحريض ضد اسرائيل وبالمسؤولية عن اشعال الميدان. ولكن حتى لو نسي نتنياهو للحظة باروخ غولدشتاين والـ 29 فلسطينيا الذين قتلوا، فيجدر به ان يتذكر مساهمة المستوطنين في الارهاب.
في خوفه من المخاطر السياسية المتعلقة به يتجاهل نتنياهو المخاطر التي تحدق باسرائيل. فالمعارضة العلنية من الادارة الامريكية للاخلاق المزدوجة في انفاذ القانون في المناطق، مناورة السلطة الفلسطينية لاستصدار قرار من مجلس الامن يعتبر المستوطنات "غير شرعية" ورفض البرازيل قبل داني دايان كسفير، هذه هي فقط جزء من المخاطر على الجبهة الدولية، تتبلور ضد اسرائيل. وبدلا من معالجة هذه الجبهة، ينشغل نتنياهو بالانبطاح امام المستوطنين. اما الثمن فسيدفعه كل مواطني اسرائيل.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف