من سأل نفسه ماذا سيكون مع موجة الارهاب الحالية يمكن أن يواسي نفسه بانه وجد الحل. النتيجة لن تظهر في المدى الفوري، ولكن ثمة ما يمكن ترقبه. بلدة تعرضت لعملية ما ستحظى برفع مستوى الجدران حولها، ومحطات الباص ستحصن بالمكعبات الاسمنتية، والمقاهي والمطاعم ستحظى بحراسة مشددة وفي الطرق المرشحة للعمليات سينبطح الجنود في كمائن. من يبحث عن مثال ملموس الى اين تسير وجهتنا يمكنه أن يتوقف في محطة الوقود على طريق 433، حيث قتل الجندي زيف مزراحي قبل نحو شهرين. فالمحطة محوطة بجدار، برج حراسة نصب في داخلها والجنود يسيرون في دوريات حولها. محطة مدنية بلباس عسكري.
تغير الكثير منذ الاحداث الدموي في ثلاثينيات القرن الماضي، والتي أدت الى اقامة بلدات السور والبرج، ولكن يخيل أن الفكرة تعود. فنحن نتمترس ونتفهم طريقة الدفاع المعدة لحمايتنا. وكجزء من التمترس الذي يتحول من تكتيك الى طبيعة ثانية، تطور الاغلبية عدم اكتراث وتلبد احاسيس تجاه حقوق انسان من لا يعتبر من حاشيتنا المقربة.
صحيح ان نتنياهو شجب حملة "الدسيسين" لحركة "ان شئتم"، ولكن في الوقت ذاته شهر بمنظمة "نحطم الصمت" وضمنا من يؤيدوها. وهو يعرف بان الجموع المحرضة لا تسمع الا نهاية الجملة التي يذكر فيها الجيش الاسرائيلي. وفي اجواء عشية الحرب، كتلك التي تسود هنا هذه الايام، يعول نتنياهو على اولئك المواطين الاسرائيليين الذي يميلون لان يروا في حرية التعبير وفي حقوق الانسان امتيازات لدول مثل سويسرا. فهؤلاء، وهم بالنسبة له الاغلبية، يقبلون تقلص الديمقراطية بتفهم.
وزيرة الثقافة ووزير التعليم، اللذان ينالان تضخما اعلاميا غير قليل منذ قيام الحكومة، يخدمان نتنياهو كل بطريقته. وحسب نظرية الفوضى، ستؤدي تغييرات صغيرة الى تغييرات كبيرة. فمن جهة تطرفهما لا يعلق به، ومن جهة اخرى يساهمان كجسم واحد في نشوء الأثر المتصاعد الذي يعزز رئيس الوزراء. لو كان نتنياهو ينفر من بينيت لما منحه "جائزة الوزير الصهيوني".
بينيت بتصميمه يزرع البذور لنشوء الوليد الجديد. الاولاد الذين سيتعلمون من كتاب التربية الوطنية المتجدد، الذي بادر اليه الايديولوج المتعزز جدعون ساعر، سيتعلمون أن اهاليهم العلمانيين عديمو الايمان، سيتعرفون بعمق على النهج السياسي اليميني ولن يروا مشكلة في نزع الشرعية عن المناهج الاخرى. سيتعلمون ان عرب اسرائيل هم مواطنون من الدرجة الثانية، وسيقبلون بتفهم ان يكون بوسع الاغلبية احيانا ان تحسم الخلاف بتجاهلها حقوق الاقلية، على أن يعرفوا كيف يقتبسوا ذلك من المصادر الاولية. وستكون النتيجة النهائية ان يتربى اولاد اسرائيل اليهود على ان يكونوا مواطنين وطنيين، ضيقي الافق، يعيشون في دولة شبه ديمقراطية. الاغتراب بينهم وبين مواطني اسرائيل العرب سيتعمق، والاغتراب بينهم وبين الفلسطينيين لن يكون قابلا للجسر.
داعش والاسلام المتطرف يفترض أن يلعبا في صالح نظرية التجميد والتمترس لدى نتنياهو. فعندما سار رئيس وزراء اسرائيل كتفا بكتف مع رئيس فرنسا وزعماء العالم الحر بعد القتل في "شارلي ايبدو" كان واثقا من أن العالم يرى، مثله، ان ابو مازن يخفي تحت سترته القميص مع علم داعش. في هذه الايام تطرح فرنسا على اسرائيل انذارا للعودة الى المفاوضات مع الفلسطينيين، والا فان فرنسا ستعترف بالدولة الفلسطينية.
فرنسا، التي تعرضت اكثر من أي دولة غربية اخرى، لضربات الارهاب الاسلامي، لا تشتري النظرية التي يبيعها نتنياهو لمواطني اسرائيل بنجاح زائد. فهي لا ترى في الشعب الفلسطيني شريكا للاسلام المتطرف، حتى وان كان يظهر من بينه قتلة يتأثرون بتحريض المتطرفين.
حسب التشخيص الفرنسي، الفلسطينيون هم شعب محتل ومقموع. فرنسا، على ما يبدو، ليست وحدها – ولكن نتنياهو كخبير ارهاب قديم لا يفزع من الفرنسيين مثلما لم يفزع من اوباما او من الامين العام للامم المتحدة. نتنياهو هو زعيم واعٍ. فهو يؤمن بان لا حل للنزاع الاسرائيلي – الفلسطيني الا اذا تم اختراع تطبيق يخفي الفلسطينيين دون أن يؤلمهم هذا او يؤلم المدافعين عن حقوق الانسان. الى أن يحصل هذا فانه يقول لا للمسيرة السياسية، لا للانفصال، لا للضم – ونعم للتمترس. اهلا وسهلا الى دولة السور والبرج.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف