قبل بضعة ايام من بدء اقتلاع سكان غوش قطيف من بيوتهم، خرج مراسل صحيفة "هآرتس" الى كيبوتسات غلاف غزة كي يطلع على مشاعرهم في ضوء فك الارتباط الاخذ في التحقق. ذاك التقرير الاليم اياه، قبل اكثر من عشر سنوات، كوى ذاكرتي بشدة. فبينما كان المزارعون في بلدات الغوش يطوون حياتهم السابقة في حاويات ويحملونها على الشاحنات، كان الاحتفال في ناحل عوز شديدا. وعندما كان فلاحو الارض في نيتسر حزاني يتألمون ويبكون، أغمض اخوانهم المزارعون من الجانب الاخر من حدود القطاع عيونهم وغرقوا في الاحلام. واحد روى يقول: "نحن نريد جدا ان يخرجوا المستوطنين من هناك، لدرجة أننا مستعدون لان نعاني وان ندفع الثمن لقاء ذلك". اخرى تحدثت عن أن "فك الارتباط يمكنه أن يكون نقطة الانعطافة الكبرى في تاريخ الكيبوتس". يوم مصيبة طلائع الغوش كان يوم فرح الكيبوتسيين.

تذكرت التقرير اياه حين سمعت امس امين عام حركة السلام الان، يريف اوفينهايمر، يقف بحدة ضد قرار رئيس الكنيست، يولي ادلشتاين، لان يخلد في الكنيست ذكرى غوش قطيف بنصب فني هدفه "التعبير عن روح ذاك الاقليم واحترام ذكراه في نسيج الذاكرة الاسرائيلية الجماعية". وتوجه اوفينهايمر في رسالة عاجلة الى المستشار القانوني للكنيست وهاجم ادلشتاين بحدة. وكتب يقول: "مع كل التفاهم لالم المخلين، فان اقامة نصب دائم لذكرى حدث سياسي واحد معين ليس عملا مناسبا".

تعالوا نضع جانبا للحظة فكرة اوفينهايمر حول صلاحية اتخاذ القرارات موضع الخلاف. فبالقدر ذاته يمكن أن نسأل لماذا اطلقت الكنيست اسم دوف شيلانسكي على نصب ما وهو رجل كانت مواقفه هي الاخرى موضع خلاف، ولم تطلق عليه اسم رؤساء كنيست آخرين. يمكن أن نسأل لماذا تسمى قاعة اوسشكين بالذات هكذا، مثلا، وليس اوري تسفي غرينبرغ. واذا قلنا الحقيقة، فاني اعرف بضعة اشخاص كانوا يفضلون الاقلاع من مطار زئيف جابوتنسي وليس بن غوريون.

اوفينهايمر يخطيء في موضوع آخر. فالمعرض الذي دشن امس في الكنيست لم يأتِ للتذكير بـ "حدث سياسي". جاء ليذكر بـ 21 بلدة في قطاع غزة و 4 بلدات في شمال السامرة، اقامتها حكومة اسرائيل، ولم تعد قائمة. جاء ليذكر بمشروع حياة اجتث لالاف الاشخاص. جاء ليذكر بانه يمكن الشعور بألمهم، حتى لو أتخذت الخطوة التي أدت اليه بشكل قانوني حكومة سيادية.

اليسار، بتعريفه، يجب أن يكون مرتبطا بالانسان، بالموقف الانساني والمراعي، لمشاعر من ضاقت في وجهه السبل. غير أنه يمكن بخيبة أمل ان نقول ان حساسية اليسار الاسرائيلي توجه في كثير من المرات الى الخارج اساسا. انظروا بعضا من محافل اليسار التي تعرف نفسها كمنظمات لحقوق الانسان، تعمل لمساعدة الفلسطينيين. وهذا على ما يرام تماما. ولكن يتبين كل مرة من جديد انه عندما تكون حاجة لابداء مثل هذه الحساسية تجاه الداخل، في البيت، شيء ما في مشاعر اليساري يتلبد. فجأة يتبين انه اسهل عليهم الارتباط بابو مازن من الارتباط ممن يستلقون معك في الكمين ويأمون معك المقابر العسكرية، يقفون معك في الطابور لصندوق المرضى ويشتمون معه ضريبة الدخل، ولكنهم يختلفون معك سياسيا.

لماذا يصعب هكذا ضرب الفصل؟ لماذا لا يمكن التأييد لخطوة فك الارتباط من ناحية سياسية، ولكن المعرفة كيف بالمقابل نذرف دمعة مع من خرب مشروع حياته؟ الشعور بألمه، المشاركة في حزنه، بل ومنحه كتفا في كربه. ولي واحد كهذا، عمرام متسناع، برز فوق الجميع في تلك الايام الصعبة لفك الارتباط. لقد اخترع متسناع فك الارتباط حتى عندما كان ارئيل شارون يحتقره ويحتقر خطته، ولكن عندما غادر مخلو نتساريم في قافلة بلدتهم وسافروا الى حائط المبكى، انتظرهم هناك مع زوجته كي يستقبلهم ويصافحهم.

في اليسار الاسرائيلي يوجد قليل جدا من مثل هؤلاء الاشخاص. وعليه فان هذا اليسار سيبقى يعقد مؤتمرات فكرية، وسيواصل الجلوس مع الاستراتيجيين الذين يشرحون له اين اخطأ، وسيواصل فحص مجموعات تمثيلية تحلل له لماذا لا يرتبط به الشعب، وسيبقى لا يفهم.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف